لعل انتقاء رابحين وخاسرين في فضاء التواصل الاجتماعي لا يعد أمراً سهلاً، بل من الصعب جداً وذلك بالنظر لطبيعة التحديات التي تواجهها تلك الشركات، فهي بينما تدخل في حالة إخماد دائمة، تظل أسهمها معرضة لمخاطر ناتجة من الأحداث السلبية التي تواجهها.
ومن أبرز شركات مواقع التواصل نذكر بالطبع شركتي فيسبوك وتوتير اللتين تتناوبان في صدارة سوق الأسهم، فتارةً ترتفع الأولى وتارة تنخفض الأخرى، ولكل منهما أسلوبه المختلف في السوق، حيث تتميز تويتر عن عن باقي الشركات المشابهة، بالاستراتيجية العنيفة التي تبنتها لتنظيف منصتها، والشفافية في التعامل مع تلك التحديات، ويمكن أن نرى زيادة في عدد المستخدمين على المدى القصير، ولكن المبادرة والجهود المبذولة لتصحيح الأوضاع ستزيد قوة الشركة على المدى الطويل.
في حين أن فيس بوك قد مرت منذ فترة قريبة بوقت عصيب. وتعرضت شبكتها لأطول فترة انقطاع عن العمل، وتوقفت كل الخدمات التي تقدمها، كما كانت بصدد تحقيق جنائي في كيفية مشاركتها بيانات المستخدم مع الشركات الأخرى، وخرج اثنان من الموظفين الشاغلين لمناصب تنفيذية رئيسية، وإن لم يكن كل هذا كافياً لهز ثقة المستثمر، أضيف إليها حادثة نيوزيلاندا التي أفضت لمقتل 50 شخص، في بث حي على فيسبوك، أدى إلى إدانة دولية، وغضب جم على المنصة، فضلاً عن الأزمات الأخرى التي تعرضت لها الشركة خلال العام الماضي.
ما السياسة التي اتبعتها شركة تويتر عندما بدأت أسهمها بالارتفاع؟
سجلت شركة تويتر أداءً مميزاً خلال العام الماضي، حيث تفوق أداؤها برغم السلبية التي واجهتها شركات التواصل الاجتماعي، وهذا الأداء بدوره جعلها تتفوق على منافستها الرئيسة فيسبوك، حيث ارتفع سهم تويتر20%، بينما تراجع فيس بوك 26%.
إلا أن هذا الأداء ما لبث أن فقد تحفيزه على الاستمرار، حيث ارتقى سهم تويتر بعد رالي العام الماضي نسبة 8% في عام 2019 الحالي، في حين تمكن سهم شركة فيسبوك من تحقيق نجاح قوي يتجاوز نسبة 20%، مما يخبرنا بأن الضعف قد نال من ثيران تويتر، وهو ما دفع بالمستثمرين لأن يروا الآن قيمة أكبر في الشركة المنافسة الأضخم.
شركتا تويتر وفيسبوك وحرب الأسهم
تعد حرب الأسهم من أكثر الحروب اشتعالاً بين شركات التواصل الاجتماعي، ولا سيما تويتر وفيسبوك، حيث يتسم تحرك الثانية للأعلى بالبطء، إلا أنه الأسهم في مركز أفضل لتحمل الضغط البيعي النابع من السلبية المحيطة بالشركة. فعلى سبيل المثال، فإن أسهم فيسبوك قد تحملت ضربة قوية عندما قام الإرهابي منفذ مذبحة نيوزيلاند ببث فيديو المجزرة مباشرة على منصاتها، مما أدى إلى هبوط أسهمها بنسبة 2.5%، وبالكاد تحركت أسهم فيس بوك للأعلى، لتنهي الأسبوع مرتفعة 0.6%، عند سعر 31.22 دولار.وهبط السهم إلى 31.08 دولار، هبوط نسبته 0.5% مؤخراً، وخسر فيسبوك نسبة 3.3% إضافية.
وهذا ما يدفعنا للقول بأن تويتر يلعب بذكاء في بيئة يحاول السياسيون والمسؤولون التنظيميون السيطرة عليها، ووضعها تحت مجهر الرقابة والتدقيق، وذلك في أعقاب سلسلة من اختراقات بيانات المستخدمين، والتلاعب السياسي الذي قام على تلك المنصات، وهو ما دفع بتويتر إلى انتهاج سياسة الشفافية والتطهير.
شركة تويتر وعملية التطهير مستمرة
قامت شركة تويتر بإمداد مستثمريها بالشفافية، وأوضحت لهم كيف ستتعامل مع المشكلات التي هي بصددها. حيث حذر الرئيس التنفيذي للشركة، جاك دورسي، خلال الصيف الماضي المستثمرين من عدم وجود نمو للمستخدمين على منصة تويتر، بينما تضطلع الشركة بعملية تنظيف ضخمة، للتخلص من الحسابات المزيفة، ووضع حد لخطاب الكراهية المتفشي.
وتجلت نتائج ذلك التطهير العنيف الذي قامت به الشركة في تقرير أرباح الربع الرابع لها، فارتفعت عوائد الإعلانات نسبة 23% على أساس سنوي، لتصل إلى 791.4 مليون دولار.
كسب الثقة
استطاعت شركة تويتر من خلال سياسة التطهير أن تبرز قدرتها على بناء نموذج عمل مستدام من خلال قاعدة جماهيرية صغيرة من المستخدمين اليوميين، حيث يمكن للمستثمرين وضع ثقتهم في نموذج العمل هذا، في وسط البيئة الحيوية النشطة لشركات التواصل الاجتماعي.
وقد ارتفع عائد التشغيل لعام 2018 كاملًا إلى 453.3 مليون دولار، مقارنة بـ 38.7 دولار خلال العام السابق عليه، وساعد التفاعل الذي ارتفع إلى 33% في تحقيق تلك النسبة خلال الربع الرابع. وفي الصيف، أعلمت الشركة مستثمريها أنها استطاعت تحديد 10 مليون حساب مثير للريبة خلال الأسبوع، وستخضع الشركة الحسابات تلك للفحص الأمني.
ما لم يعجب المستثمرون فيما تقوله تويتر هو التحذير من أن عملية التنظيف تلك ستستمر في الضغط على النفقات، التي من المتوقع لها الارتفاع نسبة 20% خلال 2019.
يبقى أن نذكر بأن معظم الدراسات والأبحاث تشير إلى أنه وبالرغم من المزايا الكثيرة التي يتمتع تويتر بها، فإن فيسبوك سيظل الأكثر شعبية بحكم خصائصه التي يتمتع بها، و التطورات التي يعمل دوماً على تحديثها.
إلا أن عالم اليوم يحمل المفاجآت الكثيرة على الصعيد التقني والتكنولوجي وتزداد سرعة وتنوع الاكتشافات العلمية، وتنمية العقول المبدعة، وأساليب التسويق المبتكرة، التي تجعل من الصعوبة تحديد من هو الذي سيتربع على المركز الأول على المستوى الحضوري والمالي في مجال التواصل الاجتماعي في السنوات القادمة؟