شهدت أسعار العملات الرقمية، أمس الثلاثاء، ارتفاعا ملحوظا في محاولة لتعويض خسائرها بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، وبرزت تحليلات على الساحة بأن العملات المشفرة قد تكون سببا للحرب، فكيف ذلك؟ وكيف استعانت الدولتين بالعملات المشفرة في تلك الحرب؟
نظرة على أسعار العملات الرقمية
شهدت العملات الرقمية أمس ارتفاعا ملحوظا بعد انخفاضها في بداية الحرب الروسية الأوكرانية. وقد ارتفع سعر عملة بيتكوين بنسبة 13.49% خلال تعاملات آخر 24 ساعة لتصل إلى 43461 دولارًا. ووصلت القيمة السوقية للعملات الرقمية المشفرة ككل نحو تريليون و920.5 مليار دولار. وارتفع سعر عملة إيثيريوم بذلك إلى مستوى 2921 دولارًا بزيادة 11.12% خلال تعاملات آخر 24 ساعة.
لماذا انخفضت العملات الرقمية في بداية اندلاع الحرب؟
هناك العديد من العوامل التي تقف خلف انخفاض أسعار العملات المشفّرة، وفي مقدمتها سببان رئيسيان:
-
السبب الأول: قرارات الفيدرالي الأمريكي
حيث يتجه الفيدرالي لرفع الفوائد على سندات الدولة، وأيضا تخفيض طباعة الدولار، ممّا دفع بالمستثمرين إلى الاتجاه للاستثمار في الدولار لأنه سيقل عرضه وبالتالي من المتوقع ارتفاع سعره مما حذا المستثمرين للاستثمار فيه باعتباره ملاذا آمنا أيضا.
-
السبب الثاني: توجه المستثمرين للملاذات الآمنة
فمنذ أن اندلعت الحرب يوم الخميس الماضي، اتجه المستثمرون للملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار والفرنك والين للحفاظ على قيمة استثماراتهم، في حين انخفضت أسعار العملات المشفرة باعتبارها شديدة التقلب. وبمجرد اندلاع الحرب؛ انخفضت أسعار أغلب العملات وعلى رأسها البتكوين بنسبة 2.3%، كما تراجعت عملة إيثيريوم بنسبة 0.80% لتسجل 2.7 ألف دولار. فيما انخفضت عملة الكاردانو بنسبة 10.9%.
لماذا عاودت العملات الرقمية ارتفاعها؟
بالرغم من استمرار العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، إلا أن معظم العملات الرقمية استطاعت التعافي بل وتحقيق أرباح أيضا، وإن كانت ضئيلة. ويرجع ذلك إلى استفادة العملات الرقمية من المخاوف المتعلقة بالعقوبات الغربية ضد روسيا والتي قد تتضمن قطع خدمات SWIFT عن النظام المالي الروسي.
بشكل أوضح؛ تتحكم البنوك المركزية بما فيها بنوك بلجيكا والولايات المتحدة واليابان وأوروبا في نظام SWIFT،
وهي عبارة عن شبكة مراسلة تستخدمها البنوك لإرسال واستقبال أوامر تتعلق بتحويل الأموال أو المعلومات،
ووفقا لبيانات بنك التسويات الدولية تمثل البنوك الأوروبية الغالبية بما يقرب من 30 مليار دولار من تعرض البنوك الأجنبية لروسيا.
وبالتالي، قد تتجه روسيا إلى البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية الأخرى بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية والتي قد تستهدف النظام المالي الروسي واحتمالية طرده من شبكة مدفوعات SWIFT، وهو ما سنوضحه في النقاط التالية. وعامة؛ تعتبر روسيا بالفعل واحدة من أكبر دول التشفير حيث يمتلك مواطنها أكثر من 12 مليون حساب بأكثر من 30 مليار دولار.
كل هذه الاحتمالات قد عززت قوة البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى.
هل العملات الرقمية سبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
إن السبب االرئيسي والمعلن للحرب الروسية على أوكرانيا هو رغبة أوكرانيا في الانضمام لحلف الناتو وهو ما ترفضه روسيا. لكن حسب كبير العلماء في شركة “إيليبتيك”، توم روبنسون، كانت العملات المشفرة تستخدم لتمويل الحروب الجماعية بشكل متزايد وبموافقة ضمنية من جانب الحكومات بما فيها الحكومة الأوكرانية. وقد أحست روسيا بالخطر من ذلك كونها دولة حدودية معها، وفي نفس الوقت لا يمكنها السيطرة على تلك التمويلات لأنها لا تخضع للرقابة وقوانين الحدود الوطنية.
أيضا خشيت روسيا من أن تصبح أوكرانيا قوة عظمى في مجال التشفير، خاصة بعد سماح الحكومة للبنك المركزي بإنشاء عملات رقمية في عام 2021 وكذلك فرض ضرائب منخفضة عليها. وهذا ما يهدد مكانة روسيا في سوق التشفير لأنه سيرسخ مكانة أوكرانيا كمركز للابتكار والتطوير في أوروبا الشرقية. وقد أشار نائب رئيس الوزراء الأوكراني لدائرة التحول الرقمي إلى أن التحرك لإضفاء الشرعية على العملات الرقمية سيسمح بتطوير صناعة جديدة ستعمل على جذب استثمارات للبلاد وسيعزز صورة أوكرانيا كدولة صاحبة تقنية عالية.
كيف استعانت أوكرانيا بالعملات الرقمية لردع روسيا؟
لقد تلقت أوكرانيا أكثر من 570 ألف دولار من العملات الرقمية عن طريق المنظمات التطوعية والمنظمات غير الحكومية لمساعدتها في تزويد الجيش الأوكراني بالمعدات العسكرية والإمدادات الطبية والطائرات. بالإضافة إلى أن تلك التبرعات تدعم تطوير تطبيق يقوم بالتعرف على الوجه ويحدد ما إذا كان الشخص جاسوسا روسيا.
علاوة على أن أنظمة “الاتحاد الأوكراني السيبراني” قد تلقت تمويلا بـ100 ألف دولار لدعم هجماتها الإلكترونية على القوات الروسية في السنوات الأخيرة، أما مركز “ميروتفوريتس”، الذي يعد مرتبطا بالحكومة الأوكرانية، فقد ثبت أنه ينشر معلومات شخصية عن أعداء الدولة الاوكرانية.
كيف يمكن لروسيا أن تستخدم العملات الرقمية للتهرب من العقوبات؟
تعتبر العقوبات أداة دبلوماسية قوية بشكل خاص للولايات المتحدة لأن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم وهو الوسيلة الأكثر استخدامًا للتبادل ووسيلة للمدفوعات عبر الحدود في جميع أنحاء العالم. ولأن روسيا تدرك ذلك فإنها كانت تعمل طوال السنوات الماضية على إنشاء طرق لإجراء التجارة دون استخدام الدولار الأمريكي.
لذا فقد عملت روسيا على تطوير عملتها الرقمية الخاصة بالبنك المركزي (CBDC) ، وهي “روبل رقمي” مصمم للاستخدام من قبل الشركاء التجاريين دون تحويله أولاً إلى الدولار الأمريكي. ويمكن لتقنيات القرصنة مثل برامج الفدية أن تسهل سرقة العملات الرقمية من قبل روسيا وبالتالي تعويض الإيرادات المفقودة بسبب العقوبات.
ورغم أنه يتم تسجيل معاملات العملة المشفرة على blockchain، ولكن الأدوات الجديدة المطورة في روسيا يمكن أن تساعد في إخفاء أصل هذه المعاملات. وبالتالي سيسمح ذلك للأطراف الأخرى بالتجارة مع الكيانات الروسية دون أن يتم اكتشافها.
في أكتوبر 2020، أشار ممثلو البنك المركزي الروسي إلى أن “الروبل الرقمي” الجديد سيجعل هذا البلد أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة وأكثر استعدادًا للتهرب من العقوبات.
كما سيسمح للكيانات الروسية بالمشاركة في معاملات خارج النظام المصرفي الدولي مع أي بلد يرغب في التداول بتلك العملة الرقمية.
هل تنجح روسيا فعليا في التخلص من هيمنة الدولار؟
في الواقع؛ تعتبر الأمثلة السابقة خير دليل؛
حيث تعتبرإيران وكوريا الشمالية من بين الدول التي استخدمت العملات الرقمية للتخفيف من آثار العقوبات الغربية. فمثلا استخدمت كوريا الشمالية، برامج الفدية لسرقة العملة المشفرة لتمويل برنامجها النووي، وذلك وفقًا لتقرير
للأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا أن تسعى إلى التهرب من العقوبات من خلال العمل عن كثب مع دول أخرى،
مثل إيران، التي تعتبر أهدافًا للعقوبات الأمريكية وتطوير عملات رقمية أساسية خاصة بها.
وفي الوقت نفسه،
فإن أكبر شريك تجاري لروسيا هو الصين، التي أطلقت بالفعل عملة رقمية خاصة بها.
وقد وصف الزعيم الصيني شي جين بينغ مؤخرًا علاقة بلاده بروسيا بأنها “لا حدود لها”.