شهد شهرأبريل 2016 تاريخ إعلان خطة الإصلاح في السعودية رسمياً ونقل الاقتصاد السعودي من اقتصاد معتمد على النفط بشكل شبه كلي إلى اقتصاد استثماري مورده الأساسي ليس النفط.
خطة الإصلاح في السعودية أكدت أنها ستشمل كذلك العديد من الإجراءات الإصلاحية في مجالات إدارية ومالية وحتى تلك المتعلقة بأوضاع المواطنين والمرأة، وسميت تلك الخطة الاقتصادية باسم رؤية 2030، حيث يعتبر الأمير محمد بن سلمان عراب هذه الخطة.
مرور عام كامل على بدء رؤية 2030 تلاه بفترة قريبة زيارة تاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية حيث التقى الملك سلمان بن عبد العزيز وكبار المسؤولين السعوديين، وشهدت الزيارة تبادل الكثير من الأفكار والمشاريع حول الإصلاح في السعودية، عدا عن الاتفاقيات العديدة التي وقعت بين البلدين.
زيارة ترامب لم تخل كذلك من النقاش حول وضع حقوق الإنسان في السعودية، حيث وجهت له بعض الانتقادات في ذلك المجال، وأبرزها كان من إيران الخصم الأبرز للسعودية في المنطقة، إيران نفسها التي تملك واحداً من أكبر معدلات الإعدام في العالم وتحوي سجونها آلاف المعتقلين السياسيين، عدا عن تدخلاتها الكبيرة في العديد من الدول العربية والإسلامية.
كل ذلك طرح العديد من الأسئلة حول مدى نجاح وسير عملية الإصلاح في السعودية بعد سنة من إعلان رؤية 2030 خصوصاً أن البعض اعتبر إجراءات الخطة متشددة في بعض النواحي وتصل إلى حد التقشف الزائد.
كيف يرى القطاع الخاص رؤية 2030؟
لبنى العليان المديرة التنفيذية لمجموعة العليان المالية إحدى أكبر الشركات في السعودية، تحدثت عن وضع الشركات والقطاع الخاص بعد عام من بدء تطبيق رؤية 2030 والتي شملت إجراءاتها القطاع الخاص والعام على حد سواء.
العليان أكدت أن الشركات واجهت صعوبة في التكيف مع الحجم الكبير لإجراءات الإصلاح التي طبقت في رؤية 2030، حيث أكدت أن العديد من الشركات وجدت بعض الإجراءات صعبة التفهم والتطبيق خصوصاً أن السعودية ما زالت في السنة الأولى من تطبيق الإصلاح.
لكن من جهة أخرى امتدحت العليان ما سمته “النقاش المفتوح” بين حكومة المملكة والشركات المحلية، مضيفة أن القطاع الخاص ينظر بحماسة إلى رؤية 2030 وخطة الانتقال الاقتصادي في السعودية.
العام الماضي شهد تغييراً كبيراً حيث اضطرت الشركات التي لا تعمل في مجال النفط على الدخول في حالة شبه توقف خصوصاً مع الإجراءات التقشفية الكبيرة التي طبقتها الحكومة السعودية ضمن خطة الإصلاح لتعويض الخسائر المتأثرة بأسعار النفط.
المسؤولون السعوديون دخلوا في الفترة الماضية في محادثات ومناقشات مع العديد من الشركات في القطاع الخاص، وقد ينتج عن تلك المناقشات وضع خطة مدتها أربعة أعوام لإعادة النمو في القطاع الخاص والاقتصاد في السعودية ككل.
تفاؤل وتشاؤم
أحد أبرز اللمحات الإيجابية حتى الآن في رؤية 2030 هو البدء بتطبيق ما يتعلق بتمكين المرأة السعودية في الاقتصاد والمجتمع والذي كان على رأسه الأمير محمد بن سلمان، وهو ما يظهر في تعيين سارة السهيمي على رأس البورصة السعودية كأول امرأة سعودية تتولى هذا المنصب.
أيضاً مجموعة سامبا والتي تعتبر من أكبر بنوك المملكة قامت بتعيين رانيا النشار في منصب المدير التنفيذي للبنك، وهو ما يدعو للتفاؤل خصوصاً بالنسبة للجمعيات والناشطين في مجال حقوق المرأة.
كذلك فإن رؤية 2030 تضمنت العديد من إجراءات الإصلاح الاقتصادي مثل تخفيض امتيازات أعضاء مجلس الشورى وتخفيض مرتبات الوزراء، ووضع خطة لتحويل الشركة السعودية للنفط آرامكو إلى أكبر تكتل صناعي في العالم، مع تخفيض الضرائب على الطبقة المتوسطة وزيادتها على الطبقة الثرية.
المتفائلون والمتشائمون بالنسبة لرؤية 2030 يعلقون أسبابهم على شخصية الأمير محمد بن سلمان، إذ يجد العديدون أنه يمثل توجه الإصلاح في السعودية وأنه قادر على قيادتها إلى مرحلة جديدة كلياً.
فيما يجد التوجه الآخر أن القوة الكبيرة التي أصبح محمد بن سلمان يمتلكها في السعودية قد تضعه في مواجهة مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف الذي يسبق محمد بن سلمان في التراتبية نحو عرش المملكة.
بن نايف الذي يبلغ من العمر 58 عاماً يعتبر أقرب بكثير إلى التوجهات المحافظة ضمن العائلة المالكة والأوساط الحاكمة في السعودية، وهو ما قد يخلق توجهاً سلبياً ضد محمد بن سلمان وتيار الإصلاح الذي يقوده.
لم يمض سوى عام واحد على بدء تطبيق رؤية 2030 وإجراءات الإصلاح، ومن المبكر ربما وضع توقعات بعيدة الأمد سواء إيجابية أو سلبية على المبادرة، خصوصاً أنها تجربة جديدة وفريدة من نوعها، فهل تواجه السعودية مشاكلاً مع الإصلاح؟ هذا سؤال يحتاج إلى المزيد من الوقت للإجابة عليه.
هل يؤثر وقف إدراج أسهم أرامكو على تنفيذ رؤية 2030؟
تستمر الشكوك حول جدية تنفيذ عملية إدراج أسهم أرامكو في البورصة المحلية والأسواق الأجنبية، رغم المعطيات التي تشير إلى أن الوقت مناسب لطرح أسهم عملاق النفط للاكتتاب العام، مع تحسن أسعار النفط بنحو ثلاث مرات بعد بلوغها أدنى مستوياتها عام 2016.
وتواردت أخبار حول قرار العاهل السعودي الملك سلمان عبد العزيز بوقف عملية الإدراج، فيما قلل مسئولون سعوديون مؤخراً من احتمال القيام بعملية الإدراج على القريب، إذ بين وزير الطاقة خالد الفالح أن توقيت الإدراج ليس مسألة ملحة للحكومة السعودية وسيكون أمراً جيداً لو تمت العملية في 2019.
ضبابية الوضع الحالي حول صفقة الطرح العملاقة، قللت من اهتمام المستثمرين العالميين وزادت شكوكهم حول جدوى إدراج أسهم أرامكو وتقدير قيمتها بنحو تريليوني دولار، خصوصاً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحث المملكة على زيادة إنتاجها من الحام بنحو مليوني برميل يومياً بهدف خفض أسعار النفط وبالتالي خفض السوقية لعملاق النفط في العالم.
وعدم بيع 5% من أسهم أرامكو، يثير الشكوك أيضاً حول الالتزام بخطة الإصلاح الاقتصادي وتنفيذ رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان لنقل المملكة بعيداً عن قطاع النفط.
لماذا ترددت المملكة في عملية إدراج أسهم أرامكو؟
أوضح عضو الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون الخليجي، ووكيل وزارة المالية السعودية السابق، والخبير الاقتصادي عبد العزيز بن نايف العريعر، أن الفكرة من وراء الطرح هو زيادة سيولة صندوق الاستثمارات العامة السعودي بهدف دخوله في استثمارات جديدة تشكل مصدر دخل ودعم لميزانية الدولة.
والآن تبددت الحاجة لوجود سيولة إضافية ومن المتوقع تراجع عجز الميزانية من 19% إلى 4% وأن يكون أقل خلال العام القادم.
فضلاً عن مساعي أرامكو لشراء حصة صندوق الاستثمارات العامة 70% في شركة سابك السعودية للبتروكيميائيات مقابل حوالي 70 مليار دولار، وبالتالي تزويد أرامكو الصندوق بمبالغ ضخمة والتي كان يتطلع الصندوق للحصول عليها من عملية الإدراج.
وتشير التوقعات إلى أرامكو قد تبدأ محادثات خلال الأشهر القادمة للحصول على حزمة ائتمانية بقيمة 50 مليار دولار موزعة بين قروض وسندات، لشراء الحصة المسيطرة في سابك.
من جهة أخرى، من المرجح أن يتراوح سعر برميل النفط بين 80 و90 دولار في 2019، وبالتالي تقل الحاجة لتنفيذ إدراج أسهم أرامكو في البورصة، خصوصاً مع التخوف من عدم تسعير الطرح في الأسواق بما يتناسب مع حجمه الحقيقي، لكن مع ارتفاع أسعار النفط قد تكون القيمة مرتفعة إذا تم الطرح.
تأثير وقف إدراج أسهم أرامكو على رؤية 2030
في الوقت الذي تنظر فيه السعودية إلى أن قرار وقف إدراج أسهم أرامكو لن يكون له تأثير سلبي على خطة الإصلاح الاقتصادي والنهوض باقتصاد المملكة، أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، أن عدم التزام السعودية بعملية الطرح، سيضع عراقيل أمام تنفيذ رؤية 2030.
فعدم القدرية على تقليص أو تمويل ديون القطاع العام المباشر أو غير المباشر سيعيق التنويع الاقتصادي الذي يتماشى مع تلك الخطة.
ومن اللافت أن السلطات السعودية استردت أكثر من 100 مليار دولار من حملة مكافحة الفساد التي قادها محمد بن سلمان، وهو المبلغ ذاته الذي تنتظره المملكة من إدراج أسهم أرامكو، لكن المسألة ليس مالية بحتة وإنما ترتبط بمدى جدية السعودية حول خطة الإصلاح وقدرتها على التنويع الاقتصادي.
وحول ذلك، يرى محلل الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، جيم كران أن المنطق وراء التنويع لا يزال سليما لكن الطريقة تبين أنها معيبة، فيما علق محلل الطاقة البارز في إدوارد جونز بريان يونجبرج على الأمر قائلاً: “عندما تتطلع إلى اكتتاب عام، يكون لديك نظارات وردية”.
واستناداً لنتاج النصف الأول 2017 تعد أرامكو الأكثر ربحية على مستوى العالم بواقع (نحو 34 مليار دولار) متفوقة على شركات عالمية كبيرة مثل أبل وسامسونغ ومايكروسوفت.
كما فاقت أرباح أرامكو نتائج شركات النفط العالمية المنافسة مثل إكسون موبيل أو شل، بنحو خمسة أضعاف، كما تعد تكلفة إنتاج برميل من النفط على أرامكو (4 دولارات) أقل من أكسون وشل (نحو 20 دولار)، ما يكسب عملاق النفط ميزة تنافسية هامة.