في الرابع والعشرين من يونيو الماضي أعلنت بريطانيا عن نتائج الاستفتاء الذي أجرته حول رغبة المواطنين في البقاء في أو مغادرة الاتحاد الأوروبي، وأظهرت النتائج فوز مؤيدي الخروج بنسبة 51.9% بالمئة مقابل 48.9% لمؤيدي البقاء.
نتائج الاستفتاء أثارت عاصفة من ردود الفعل في أوروبا وولدت قلقاً كبيراً لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي وكذلك الكثير من المسؤولين البريطانيين المعارضين للخروج من الاتحاد، كما سببت هبوطاً حاداً في البورصة وقيمة الجنيه الإسترليني بعد يوم واحد فقط من إعلان النتائج.
الأوضاع الاقتصادية كانت هي الحجة الرئيسية لإجراء الاستفتاء من البداية وكذلك كان القطاع الاقتصادي والشركات العاملة في بريطانيا الأكثر توجساً وخيفة من تبعات خروج بريطانيا من القارة العجوز، خصوصاً مع الحديث عن نية بريطانية استحداث إجراءات اقتصادية مختلفة كلياً وتطبيق التغييرات في آلية العمل داخل البلاد.
الشركات الكبرى والصغرى على حد سواء وجدت نفسها مضطرة بدورها لإجراء تغييرات في عملها تبعاً للظروف الجديدة و اتخذت العديد منها قرارات حاسمة بالتحضير لمغادرة السوق البريطانية أو تجميد أعمالها لحين معرفة ما سيحصل في الأيام القادمة.
ما الذي يحصل في السوق؟
قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي كان صادماً للكثير من الشركات العاملة في بريطانيا، واختلفت ردات فعلها حيث أعلنت العديد منها عن فشل صفقات واقتطاع وظائف وتجميد نشاطات بعضها أو جميعها، فيما صرحت شركات عديدة أخرى عن خططها لنقل نشاطاتها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
ستة من أكبر شركات العقارات في بريطانيا أعلنت إيقاف التداول بأسهمها وسنداتها في محاولة لكبح الانسحابات الكبيرة التي حصلت في السوق نتيجة القلق من تبعات قرار الخروج، وحجزت بذلك ما قيمته أكثر من 15 مليار جنيه إسترليني من الأسهم والسندات.
شركة Standard Life الكبرى كانت أول من أعلن عن تجميد التداول وقامت بحفظ سندات تصل قيمتها إلى 2.9 مليار جنيه إسترليني، لتتبعها بعد ذلك شركات بارزة مثل M&G و Henderson و Canada Life وغيرها.
بدورها شركة Aberdeen لإدارة الأصول اتخذت خطوة صعبة بشطب 17% من قيمة أسهمها وسنداتها وذلك لتثبيط المستثمرين من الوصول إلى أموالهم، وأكد مديرها التنفيذي مارتن جيلبرت أن إجراء الشركة يعكس التغيير الهائل الحاصل في السوق والتذبذب الكبير في الأسعار.
عملاق الاتصالات شركة Vodafone والتي ترتكز نشاطاتها في مدينتي لندن و نيوبيري، وجهت تحذيرات بأنها قد تنقل مكاتبها الرئيسية خارج بريطانيا في حال أدى الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى تقييد حرية الحركة والنشاط الخاص بها.
وأكدت Vodafone أن سياسة الاتحاد في الحركة الحرة للأشخاص والنقد والبضائع أفادتها بشكل كبير، مشيرة إلى أنها تجني فقط 11% من أرباحها بفضل أعمالها داخل بريطانيا.
من ناحيته أعلن ريتشارد برانسون رئيس مجموعة Virgin العالمية أن قرار الخروج أجبر المجموعة على إلغاء صفقة كبيرة كانت ستوفر ثلاثة آلاف فرصة عمل مؤكداُ أن العديد من الصفقات المماثلة في البلاد انهارت بفعل القرار.
وأضاف برانسون أن شركته اضطرت لإنهاء خطة لشراء شركة بريطانية نتيجة للتردد الحاصل في السوق والذي سيمتد إلى سنوات قادمة بحسب رأيه، مطالباً الحكومة البريطانية بإجراء استفتاء جديد وتخفيض سن الاقتراع إلى 16 عاماً.
شركة Siemens الألمانية والتي تصنع أجهزة توليد الطاقة من الرياح أعلنت عن إيقاف خططها الاستثمارية في مجال طاقة الرياح وإلغاء خطط تصدير توربينات الرياح لأجل غير مسمى، وتوظف منشأة Siemens في مدينة Hull أكثر من ألف شخص.
فيما كان موقف شركة Shell العالمية للبترول دبلوماسياً جداً، إذا أعلنت الشركة على لسان مديرها التنفيذي بين فان بوردن أنها كانت دائماً “تملك تصوراً واضحاً حول فوائد السوق الأحادية وحرية الحركة للناس، لبريطانيا وأيضاً للاتحاد الأوروبي ككل”.
ورفض فان بوردن الحديث عن أي تأثيرات قد تتعرض لها أعمال Shell في بريطانيا في حال فرض إجراءات حدودية مع الدول المجاورة لها.
القطاع المصرفي المتضرر الأول
المصارف في بريطانيا سارعت لاتخاذ إجراءات كبيرة لاحتواء الأضرار التي ستلحق بأعمالها جراء قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، فأعلن بنك Lloyds أكبر مانح قروض في بريطانيا عن تعليق خطة لطرح أسهم بقيمة 9 مليار جنيه إسترليني بسبب الاضطراب الكبير في السوق، كما قرر بيع الأسهم المملوكة لدافعي الضرائب والتي تم شرائها أثناء الأزمة المالية.
بدوره بنك HSBC الأكبر في أوروبا أعلن عن نقل مكاتبه الرئيسية في بريطانيا للمرة الثانية هذه السنة، إذا سبق له طرح القرار في فبراير الماضي دون أن يوافق عليه مجلس الإدارة، ولكن قرار الخروج أجبر البنك على اتخذا إجراء المغادرة.
أنطوني براون رئيس اتحاد المصرفيين البريطانيين قال بأن هناك مخاوفاً من فرض عوائق تجارية من قبل الاتحاد الأوروبي لإضعاف مدينة لندن أثناء الاتفاق على إجراءات الخروج، مضيفاً أن المصارف الصغيرة قد بدأت بنقل أعمالها خارج البلاد خلال أسابيع، فيما ستنتظر المصارف الكبرى حتى الربع الأول من عام 2017.
وأكد براون أن القطاع المصرفي هو أكثر قطاعات الاقتصاد البريطاني تضرراً من قرار الخروج، سواء من حيث درجة التأثير أو الإجراءات التي قد تتخذ، حيث أن الصرافة هي أكبر صناعة تصدرها بريطانيا والأكثر اعتماداً على قوانين حرية الحركة الخاصة بميثاق الاتحاد الأوروبي في خدمة زبائنها.
فالخروج من الاتحاد لا يعني فقط إجرءات أو تكاليف إضافية على نقل المال والخدمات بحسب براون، بل يدور حول الإمكانية القانونية للمصارف البريطانية لتزويد خدماتها للزبائن خارج بريطانيا.
لا يبدو أن الوضع الحالي أو القريب لبريطانيا يبشر بالخير، خصوصاً مع الوضع الغير مستقر في أسواقها في مختلف القطاعات، والأيام القادمة التي ستحدد إجراءات خروجها من الاتحاد الأوروبي قد تحمل المزيد من الأخبار السيئة لذلك على الشركات البريطانية والمصارف بشكل خاص أن تأمل الأفضل وتحضّر نفسها للأسوأ.