في عام 2009 شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم عملية سطو فريدة من نوعها، حيت قام مجموعة من اللصوص بسرقة طائرة هليكوبتر وحطوا بها فوق سطح أحد مستودعات الأموال، ثم قاموا باحتجاز الموظفين العاملين هناك، فيما تحرك آخرون لسرقة مبالغ كبيرة من المال وصلت قيمتها إلى 6.5 مليون دولار.
رغم أن تحقيقات الشرطة أدت فيما بعد إلى القبض على ستة أشخاص ومحاكمتهم وإدانتهم، إلا أن قرشاً واحداً من الأموال لم يعد ولا زال مكان اختفائها مجهولاً حتى اليوم، فيما سمي باحتيال فاستبيرغا.
تلك الحادثة أثارت بلبلة كبيرة في السويد، ودفعت بالخبراء الاقتصاديين لإعلاء أصواتهم حول خطورة التعامل النقدي وسلبياته الكبيرة، خصوصاً من ناحية صعوبة تتبع النقود وحادثة فاستبيرغا خير دليل على ذلك.
اليوم وبعد سبع سنوات من الحادثة تضع السويد نفسها كمرشح قوي جداً لتكون أول دولة في العالم تنهي التعامل النقدي تماماً، وتعتمد بشكل كامل على العملة الافتراضية وبطاقات الائتمان وغيرها من طرق الدفع الافتراضي، بعد أن كانت السويد أول بلد يصدر أوراقاً نقدية في القارة الأوروبية وذلك عام 1661.
التحول الكبير في السويد، كيف يتم ذلك؟
الأرقام والإحصاءات في الأعوام الأخيرة تظهر الشوط الطويل الذي قطعته السويد في طريقها نحو إنهاء التعامل النقدي بالمال، حيث أن السويد قامت بإلغاء العملة الأكبر لديها وهي 1000 كرونا منذ سنوات، فيما انخفض استخدام العملة التي تليها وهي 500 كرونا بشكل كبير.
اليوم في السويد فإن معظم المتاجر والشركات والمحلات وحتى المقاهي لا تقبل الأوراق المالية من أي نوع، بل يتم الدفع عن طريق البطاقات وتطبيقات دفع المال، وهو ما قلص الحاجة إلى النقد بشكل كبير، فمثلاً من شبه المستحيل أن تستطيع شراء تذكرة للمترو في ستوكهولم دون أن تملك بطاقة دفع.
بحسب أرقام البنك المركزي السويدي Riksbank فإن المعاملات والصفقات التي اعتمد على النقد بالكاد وصلت إلى نسبة 2% من مجموع عمليات الدفع التي تمت في السويد خلال العام الماضي، ويرى بعض المحللين الماليين أن النسبة قد تنخفض إلى 0.5% بحلول عام 2020، فيما يشغل النقد نسبة 20% فقط من التعاملات في المتاجر وهو نصف الرقم الذي كان منذ خمس سنوات، وأقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 75%.
اليوم 900 بنك من أصل 1700 عاملة في السويد لم تعد تقبل الودائع النقدية ولا تقوم بتخزين النقد في فروعها، والعديد منها خصوصاً في المناطق الريفية لا تملك ماكينات الصرف الآلي ATM، وتداول عملة البلاد الكرونا قد انخفض من 106 مليار في 2009 إلى 80 مليار في العام الماضي.
بحسب خبراء اقتصاديين فإن هذا التحول بدأ منذ فترة طويلة وتحديداً في الستينيات من القرن الماضي، حين بدأت البنوك بإقناع الشركات وموظفيها باستعمال التحويلات الرقمية لدفع الأجور والحصول عليها، كما أن ازدهار بطاقات الائتمان في التسعينيات بعد فرض البنوك رسوماً على الشيكات كان له دور كبير في دفع الحركة نحو الأمام.
بطاقات الائتمان هي الأسلوب الأكثر استعمالاً لدفع تكاليف أي شيء في السويد، وبحسب شركة Visa فإن السويديين يستعملون تلك البطاقات أكثر بثلاثة مرات من المتوسط العالمي لاستخدامها، وبمعدل يصل إلى 207 عملية دفع في عام 2015.
أحد الخبراء الاقتصاديين في السويد اعتبر أن البلاد ستنهي التعامل النقدي بالكامل في غضون خمس سنوات من الآن، في حين أن البنك المركزي في البلاد Riksbank قدر أن النقد قد يستمر بمعدلات ضئيلة جداً حتى عقدين من الآن.
بغض النظر عن المدة التي سيستغرقها الأمر إلا أن السويد تسير بخطى حثيثة نحو أن تصبح أول بلد في العالم لا يتعامل بالنقد، ولا شيء يدعو للعجب إذا لم يقبل منك صاحب مقهى نقودك الثمينة! وطلب منك بعض الأموال الافتراضية بالمقابل.
ازدهار تطبيقات العملة الافتراضية
أحد أهم المظاهر التكنولوجية التي دعمت توجه السويد نحو إنهاء التعامل بالنقد هو تقنيات الهواتف الذكية وتطبيقاتها التي جعلت كل شيء أسهل، ودفع وتحويل المال ليس استثناء.
تطبيق Swish الذي يعتبر من أكثر التطبيقات شعبية في البلاد، هو تطبيق تم تطويره بالتعاون مع سلسلة من كبرى البنوك في السويد مثل Nordea و Handelsbanken و SEB و Swedbank، حيث يستعمل هذا التطبيق أرقام الهواتف المحمولة ليسمح لأي شخص يمتلك هاتفاً ذكياً بتحويل الأموال من حساب بنكي إلى آخر.
الخبراء الماليون يرون أن تطبيق Swish له دور كبير في إضعاف النقد وتقوية التبادل الافتراضي عبر ميزاته الواسعة، خصوصاً أن عمليات التحويل من شخص لشخص سريعة ويحوي Swish نفس ميزات تحويل النقد بالإضافة لميزة المقاصة في الوقت الحقيقي كما في الشيكات، وبدأ التطبيق بتطوير خدمات الدفع للشركات والأعمال كذلك.
أكثر من نصف سكان السويد يستخدمون تطبيق Swish اليوم ويستعمل في أكثر من 9 مليون عملية دفع شهرياً، وهو يعتبر من أنجح وأكثر التطبيقات نشاطاً في البلاد.
الباعة الجوالون والتجار الصغار في الشوارع يستعملون بدورهم تطبيقاً يدعى iZettle وهو نظام إلكتروني للدفع يتميز بسهولته ورخصه حيث يسمح للباعة في الشوارع والأعمال الصغيرة بتلقي الدفعات عبر البطاقات من خلال أجهزة لقراءة تلك البطاقات يتم تركيبها في هواتفهم المحمولة، والعديد منهم أشار إلى ارتفاع في المبيعات وصل إلى 30%.
الأمر لا يقتصر على المعاملات التجارية فقط، فحتى الكنائس السويدية والمؤسسات الخيرية أصبحت تضع أرقام هواتفها لحض الناس على دفع المساعدات والتبرعات عبر تطبيق Swish، وفي العام الماضي أكدت أحد كنائس ستوكهولم أن 15% فقط من التبرعات التي حصلت عليها كانت نقداً فيما الحصة الأكبر كانت عبر تطبيق Swish.
السنوات القادمة ستشهد بالتأكيد وصول السويد إلى نقطة التعامل 100% دون نقد، لكن ذلك الإنجاز يحتاج بحسب خبراء اقتصاديين إلى قرار سياسي كذلك، حيث أن فكرة النقد حتى في السويد ما زالت فكرة قوية.