قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن حكومة بلادها تمنح الأفضلية للخروج المباشر والفوري من الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن النتائج السلبية التي قد ترافق هذا الخيار. وأضافت أن الحملة على ضبط الهجرة سيكون لها الأسبقية عند مقارنتها بباقي التحديات.
كلام المسؤولة الإنكليزية وصف “بالصحوة الوقحة” بين المتابعين للأسواق المالية، بل اتضح من خلاله للمستثمرين أنه عندما يتعلق الأمر بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فإن حماية الاقتصاد ليس أولوية قصوى لرئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي.
وعلى الفور تراجع الجنيه الإسترليني بطريقة دراماتيكية واسعة في التداولات الأسيوية ليوم الجمعة، حيث وصلت الأسعار إلى أدنى مستويات لها مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 1985.وسجل الجنيه انخفاض بنسبة 1.4 بالمائة قادمًا من مستوى 1.2433 الذي كان عليه في منتصف اليوم، قبل أن يصل إلى أدنى سعر عند 1.1841 في جلسة آسيا، لتبلغ مجموع الخسائر الأسبوعية وفقًا لهذا التراجع 4.1 في المئة من قيمة الباوند.
يعتقد المستثمرون الآن أن السعي لضمان خروج هادئ ومرن يحافظ على اتفاقيات التجارة الحرة، والترتيبات المالية والاقتصادية مع الشركاء التجاريين لبريطانيا لن يكون واردًا، ويعزز هذا الاعتقاد ايضًا ظهور دلائل خلال مؤتمر حزب المحافظين السنوي الذي اختتم يوم الأربعاء، تصب بهذا الاتجاه خاصة أن الكلام عن “شروط واحكام مريرة” ساد في أروقة المؤتمر وخلال أحاديث المشاركين فيه.
في نفس الوقت لا يمكن تحميل بريطانيا منفردة المسؤولية عن تخيب الآمال والتوقعات حول الخروج الهادئ، حيث يبدي قادة الاتحاد الأوروبي تصلب في المواقف لا يقل شأننا عن تصرفات نظرائهم في مدينة الضباب لندن. ويهمل الجميع أن اختيار التعنت والإصرار في التعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيتسبب في مزيدًا من التذبذب والضعف على الجنيه الإسترليني، لكن هذه التقلبات إن حصلت لن تكون بعيدة عن الإضرار بالاقتصاديات الأوروبية التي تعاني بدورها تحديات اقتصادية ومالية كبيرة.
يقول ستيوارت بينيت الخبير المالي المقيم في لندن، في تعليقه حول ما حدث مؤخرًا أن “الأمر يشبه بإطلاق تنبيه أخير يقول لك ان الاقتصاد في المملكة المتحدة سيتأثر، كما ستتضرر مؤسسات القطاع المالي في البلاد”، لكن كلام بينيت يناقض البيانات الاقتصادية التي صدرت في هذا الأسبوع، لتسجل أداء فاق التوقعات في مجالات الخدمات والتصنيع والبناء، ذلك الأداء لم يكن كافي ليخدع ستيفاني فلاندرز مسؤولة إدارة الأصول في بنك جي بي موغان تشيس (JPMorgan Chase)، التي تعتقد أن المستقبل لن يكون مشرقًا.
لقد خفض صندوق النقد الدولي في هذا الأسبوع، توقعاته الخاصة بالنمو عن العام المقبل في بريطانيا إلى 1.1 بالمائة، وذكرت المؤسسة المالية الدولية أنها اعتمدت في تقيمها الجديد على توقعات بمفاوضات خروج سلسلة، ولم تفترض ابدًا أن تكون الصفقة مؤلمة بالشكل الذي تشي به الانباء حتى الآن.
ماهي سلبيات وايجابيات انتهاج الطريقة المتشددة في الخروج؟
مع اختتام الباوند البريطاني لأسوأ أسبوع له منذ استفتاء يونيو / حزيران الذي اقر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اشتعل الجدل من جديد حول الفوائد والخسائر التي تنتظر المملكة المتحدة. فقد صمد الجنيه الإسترليني لفترة جديدة عند مستوى 1.30، عقب النتائج المفاجأة للاستفتاء، إلا أن حركة الهبوط الأخيرة حدثت خلال دقيقتين فقط ليصل السعر إلى مستويات 1.18، وهو شيء سلبي فيما يتعلق بمستوى الثقة التي يكنها المتداولون تجاه الباوند.
طريقة السقوط الحر التي رسمها الكيبل في حركته تعتبر استجابة منطقية لحالة الغموض التي تحيط بمستقبل وهيكل العلاقات التجارية لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، حيث تمتلك المملكة المتحدة واحدًا من أكثر الاقتصاديات انفتاحًا وتكاملًا مع بقية بلدان القارة الأوروبية، إن تفكيك هذه العلاقات والروابط طويلة الأمد سيهدد حتمًا التجارة والنمو.
هنالك آمال بأن انحسار الجنيه وتراجع قيمته (انخفاض سعر الصرف) سيخفف من وطأة الانكماش الاقتصادي للبلاد، وذلك من خلال تشجيع الصادرات التي ستصبح أرخص مقارنة بمنتجات باقي الدول. كما ستزداد عائدات السياحة وتتدفق رؤوس الأموال بشكل أكبر، وهو الرهان الذي بسببه ينتعش سوق الأسهم في الوقت الراهن.
إلا أن الاعتماد على انخفاض سعر الصرف لا يخلو من المخاطر التي قد تشكل وضع حرجًا على الاقتصاد الذي لم تتضح معالمه وهيكليته حتى الآن، خاصة إذا ما ارتفع التضخم في البلاد. لا ننسى أن احتمال الدخول في مرحلة ركود لاحقة لخروج بريطانيا بطريقة مباشرة وقاسية، سيكون احتمالًا ورادًا مما يعني مواجهة صناع السياسة المالية في بريطانيا لواحد من أصعب التحديات حينها، ألا وهو الركود التضخمي.
على الصعيد الاجتماعي، سيكون انخفاض قيمة الجنيه البريطاني في مصلحة النخب الاقتصادية العالمية، وعلى حساب القطاعات الشعبية الأقل حظًا من الثروة، سيضطر السكان المحليين لمواجهة الآثار السلبية للتضخم. هذا بالضبط ما تحاول الحكومة التحضير له من خلال تكثيف الخطاب الشعبي وجذب الدعم والتأييد السياسي لها.
مواقف متصلبة بين جميع الأطراف
مستقبل التجارة وحركة رأس المال والعمال بين الطرفين، تعتبر من المواضيع الخلافية، لقد قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي ” أنها لا تسعى لخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي بسبب قضية السيطرة على الهجرة فقط، بل تعمل للحصول على أفضل صفقة ممكنة مع الاتحاد الأوروبي”
في وقت لاحق أوضح ديفيد ديفيس وزير شؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ما أسماه الخطوط الحمراء للمملكة المتحدة، والتي رفضها الأوروبيين على الدوام. تمثل بعضها في طلب التخلي عن حرية حركة العمالة وعدم التدخل في القوانين البريطانية، إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي يشدد أن حرية تنقل الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال كتلة واحدة لا تنفصل.
وتظهر الرغبة الأوروبية في الابتعاد عن منح بريطانيا أي ميزات خاصة، عبر حديث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي ثال يوم الخميس الماضي ” يجب ان يكون هنالك ثمن تدفعه بريطانيا” في حين حذرت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أن المفاوضات لن تكون سهلة”
يذكر أن الاتحاد الأوروبي يضم تجمع اقتصادي كبير يشمل منطقة تجارة يبلغ عدد المستهلكين فيها ما يزيد عن 450 مليون شخص، يتوزعون على 27 دولة بدون بريطانيا، يتداول غالبية الدول بالعملة الموحدة اليورو، حيث تحتفظ ألمانيا بدور القوة الاقتصادية الأكبر في هذا التجمع.