ارتفعت أسعار النفط الخام أكثر من 2% اليوم الأربعاء لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال سبعة أشهر، لكنها بقيت دون مستوى 50 دولارًا للبرميل والذي راهنت عليه الأسواق كثيرًا. جاء ذلك بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية التي أظهرت تراجع فاق التوقعات حيث وصل التراجع في المخزون إلى 4.2 مليون برميل عن الأسبوع المنتهي.
وأبقت عمليات جني الأرباح الأسعار تحت مستوى الـ 50 دولارًا، لكن هذا ليس السبب الحقيقي لعدم قدرة الأسواق على الارتفاع بل يقول المحللون الاقتصاديون أن هذه الاستجابة الضعيفة ليست سوى القمة، أما القادم فهو أسوء بكثير من الوضع الحالي.
ففي وقت سابق من الأسابيع القليلة الماضية، ارتفعت المعنويات بخصوص المستقبل الإيجابي لأسعار النفط خاصة عندما عطلت الاضطرابات في كندا ونيجريا تدفق الامدادات. وبدء خبراء الطاقة الحديث عن أن حركة التصحيح ما بين العرض والطلب ستكون أسرع من المتوقع، إلا أن الأسواق لم تقتنع بهذه الكلمات أو التطورات التي أصابت السوق حينها، بل بقيت وفرة المعروض راجحة رغم كل شيء.
بالكاد استجاب السوق للأخبار السلبية، في الوقت الذي كانت فيه ناقلات النفط المحملة بالشحنات تنتظر المشترين، كما ازدادت مخزونات البنزين العالمية لتثير مجموعة من التساؤلات والمخاوف حول استمرار سيناريو الوفرة.
لماذا لم يؤثر غياب 900 ألف برميل نفط؟
توقع الجميع ارتفاع أسعار برميل النفط مع استيلاء المتمردين في نيجيريا على 900 ألف برميل من انتاج البلاد اليومي، لكن في حقيقة الأمر أن هنالك ما يعادل 20 شحنة من النفط تسليم شهر يونيو/ حزيران، غير مباعة وترسو في الانتظار ضمن سواحل غرب أفريقيا. أما المفاجأة الأكبر كانت ما نقلته وكالة رويترز للأنباء في الأسبوع الماضي أن عدد شحنات النفط التي ترسو قبالة شواطئ سنغافورا ارتفعت بنسبة 10 بالمائة مقارنة مع الأسبوع الذي سبقه.
أما في جنوب شرق أسيا فالوضع يبدو أسوأ مع وصول المخزونات العائمة في الناقلات النفطية لأعلى مستويات خلال خمس سنوات، مع الاستمرار في الارتفاع. نفس الشيء يحدث، وإن بدرجة أقل، في خليج المكسيك وبحر الشمال، كما تقول بعض المؤشرات المتخصصة في رصد أسواق المنتجات النفطية
عادة ما ينظر إلى هذه الأمور كإشارة تدل أن الأسواق تشهد فائضًا في المعروض، وتنامي في الوفرة بشكل أصبحت معه أسعار النفط ليست واعدة كما تحاول المعنويات المتفائلة الترويج له. ويبقى السؤال هل سيرتفع النفط أم سينخفض.
تباطؤ الطلب سيضعف ورادات الصين النفطية!
منذ عام مضى تقريبًا سمحت الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم ببناء منشآت ومصافي لتكرير النفط بمليكة خاصة، وسريعًا تحول ميناء تشنغداو الصيني إلى وجهة جديدة لناقلات النفط وعلى الرغم من أن شركات التكرير هذه تعتبر مشاريع فردية صغيرة، إلا أنها تشكل مجتمعة ما يعادل ثلث استطاعة التكرير للصين قاطبًة.
برزت شركات ومصافي تكرير النفط المستقلة خلال عملها كنقطة مضيئة مع ارتفاع الطلب وسط وفرة عالمية. فبحسب توقعات وتقارير مؤسسات تسويق المنتجات النفطية المتخصصة في تقديم معلومات حول واقع الأسواق ستقوم هذه المصافي مجتمعة بشراء واستيراد مليون برميل يوميًا من النفط الخام خلال هذا العام، وبزيادة عما سبق لها أن اشترته في العام السابق حيث سجل 620 ألف برميل يوميًا. لكن مخاطر عدة تواجه تلك الشركات قد تؤدي إلى انقطاع أو كبح الواردات مما سيشكل تهديدًا ترتفع معه أسعار النفط من أدنى مستوى لها منذ 12 عام.
ويعتقد جوردون كوان رئيس قسم أبحاث النفط والغاز والمتخصص في دراسات الطاقة “أن تراجع استهلاك مصافي الصين الخاصة سيخل بتوازن العرض مع الطلب وسيحتاج وقتًا طويلًا لتصحيحه، وإذا أصبح الطلب من هذه المصافي وشركات التكرير المستقلة أقل فإن أسعار النفط قد تنتعش من جديد لتصل إلى 55 دولارًا للبرميل الواحد، بل ستبلغ 60 دولارًا في العام المقبل.
مصافي النفط الصينية في خطر!
مع نهاية شهر شباط/ فبراير لهذا العام، تقدمت 27 مصفاة لتكرير النفط في الصين بطلبات شراء أو اشترت بالفعل 89.5 مليون طن متري من النفط، بلغة أخرى ما يعادل 1.8 مليون برميل يوميًا بحسب رئيس اتحاد مصافي النفط الخاصة، في نفس الوقت ارتفع إجمالي مشتريات الصين إلى مستوى قارب الرقم القياسي عند 7.96 مليون برميل في أبريل/نيسان، ووصل عدد الشحنات لميناء تشنغداو الصيني الى مستويات لم يسبق لها مثيل في نفس الشهر. حيث ان عدم تطور البنية التحتية لصناعة التكرير بنفس سرعة شراء النفط، يضع الواردات في خطر التباطؤ بسبب حركة مرور الناقلات المزدحمة والافتقار لأماكن التخزين والتشدد في إجراءات حماية البيئة وانخفاض هوامش الربح.
كل هذه القيود اللوجستية وتغيرات السوق ستؤثر على توريد النفط للمصافي الصغيرة في هذه المناطق وستحد من القدرة على استيراد النفط من قبلهم. وعليه سيكون تراجع الطلب على النفط في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم ذو تأثير كبير على أسعار النفط.
يبقى تفاوت أداء الأسواق واختلاف التحليلات الاقتصادية الدافع والمحرك في الأسواق العالمية التي أصبح التداول فيها سهلًا لكل من رغب في شراء السلع لغرض الاستحواذ أو حتى المضاربة، وهو ما يفسر استمرارا المراهنات على زيادة الأسعار.