بيعت لينكد إن شبكة التواصل الاجتماعي المخصصة لعالم الأعمال مؤخرًا مقابل 26 مليار دولار، بهذا الخبر الكبير فاجأت شركة مايكروسوفت قطاع صناعة التكنولوجيا منذ 9 أيام مضت، حين أعلن عملاق البرمجة الأمريكي تفاصيل صفقة الاستحواذ التي دفعت بموجبها مايكروسوفت ما يقارب مئتي دولار عن كل سهم من أسهم الشبكة وبالتحديد 196 دولار أمريكيًا تمامًا.
قد تبدو أخبار استحواذ الشركات او بيع أسهمها من الأمور التقليدية التي تحدث في عالم المال والأعمال، لكن هذا التشبيه صحيح جزئيًا فقط مع الشركات العادية، أما عندما تصل الأخبار إلى أسماء شركات كبيرة ومشهورة، فالموضوع يتعدى عمليات البيع والشراء العادية ليصل إلى نقلات نوعية ستغير من مفهوم الخدمات المقدمة، وستؤثر حتى عليك أنت عزيزي القارئ بكل تأكيد!
صفقة الاستحواذ على شبكة لينكد إن “ستعود بالفائدة على جميع المستخدمين” هكذا علق الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا نادالا في معرض حديثه عن الموضوع، وأضاف أن هنالك فرصة حقيقة وكبيرة لإلغاء جميع الحواجز والحدود الفاصلة ما بين الأعضاء المتواجدين على الشبكة والأعمال على أرض الواقع.
عمليًا تعتبر شبكات التواصل الاجتماعية مناجم حقيقة للمعلومات حول الأشخاص وتفضيلاتهم وسلوكهم ورغباتهم وغيرها الكثير، لكن هذا الكنز المعرفي الكبير بحاجة لآلية واضحة تسمح باستغلاله تجاريًا وهو ما تهدف إليه الشركات التكنولوجية في المقام الأول. وهنا يكمن بيت القصيد في هذه الصفقة الأخيرة.
ماذا يخفون عنا في صفقة استحواذ لينكد إن؟
تمتلك شبكة لينكد إن ما يقارب 433 مليون مشترك على منصتها، وتعتبر الوجهة الأولى للمحترفين في قطاعات الأعمال والوظائف المختلفة. وعلى الرغم من توسع الشبكة سنويًا وازدياد عدد أعضائها باستمرار، إلا أن هنالك معضلة لم تستطع الشبكة التغلب عليها مع أنها عملت جاهدة على ذلك. أنها أعداد الأعضاء الفعالين والتي لم تتجاوز 40 مليون في أفضل حالاتها.
هنالك معلومة ثانية خطيرة أيضًا، فبحسب شبكة بلومبيرج لأخبار قطاع الأعمال تبلغ نسبة الأعضاء ممن يواظبون على الدخول إلى حساباتهم على الشبكة بشكل شهري 26-28 % فقط.
مع هذه المعطيات هنالك انذارًا من اللون الأحمر لأي شبكة تواصل اجتماعية ينبه بالكارثة القادمة، حيث قررت لينكد إن المواجهة ساعية لزيادة التفاعل والمشاركة على الموقع بطرق متعددة. قامت الشركة بالتركيز على أخبار الأعمال بهدف أن تصبح مصدرًا لها، ثم جلبت مجموعة من الكُتاب المؤثرين، وأخيرُا استثمرت في شراء شركة متخصصة في صناعة الفيديوهات التعليمية (ليندا للبرامج التعليمية) مقابل 1.5 مليار دولار، لكن كل هذه المحاولات لم تفلح واستمرت نسب الأعضاء الذين يسجلون دخولًا للموقع تهبط تدريجيًا.
الحل كان فيما دمرته لينكد إن سابقًا!
لم تكن لينكد إن غافلة عن قيمة بياناتها وفكرة الاستفادة من هذه البيانات كانت حاضرة ففي عام 2012 اشتريت الشبكة إضافة (plugins) لمتصفح الجي ميل هي Gmail Rapportive مقابل 15 مليون دولار. تتيح هذه الإضافة لمستخدمي Gmail عن طريق شريط جانبي ضمن الموقع نفسه الحصول على تحديثات الشبكة الاجتماعية للشخص الذي تقوم بالتواصل معه. ولكن لسوء الحظ سرعان ما خيبت الشبكة حب العملاء لهذه الإضافة بتعطيل جميع الوظائف الرئيسية كما المميزات التي أحبها الناس.
يقول خبراء أمن المعلومات ان تلك الإضافة (plugins) كانت تثير الخوف من الاختراق وسرقة البيانات، فكيف استطاعت هذه الإضافة تغير شكل وطريقة عرض بريدك الوارد والتحكم بالمعلومات المعروضة في المتصفحة لأشخاص آخرين في المقام الأول إن لم تكن مشبوهة أمنيًا ؟!
مع وصول مايكروسوفت الشركة البرمجية العملاقة ذات التاريخ الطويل والسمعة القوية، فإن تقديم خدمات كتلك التي حاول Gmail Rapportive إعطائها سيكون أكثر سهولة لان خصوصية المستخدم ومعلوماته ستكون مصانة، بالحد الأدنى هذا ما يعتقد به الغالبية. لكن أليس جميع البيانات عبر هذه الصفقة سيكون حجر الأساس لمايكروسوفت في التخطيط للشبكات الاجتماعية. وما الذي يمنعها من استغلال الشركة لهذا الكنز من البيانات لبيع منتجات وخدمات أكثر.
مجموعة اوفيس المكتبية أكبر المستفيدين.
في الملف التعريفي عن صفقة الشراء الذي قدمته الشركة واتاحت للجميع الوصول إليه. عرضت مايكروسوفت استخدام بيانات لينكد إن للتكامل مع برامجها المعروفة مثل أوت لوك وسكايب، او في تطبيقات الأوفيس مثل برنامج تحرير النصوص Word وبرنامج معالجة الجداول Excel وبرنامج إنشاء العروض التقديمية PowerPoint.
بشراء مايكروسوفت لـ لينكد إن فإنها تعطي للأوفيس شبكته الاجتماعية الخاصة به، مما يعني زيادة في عدد مستخدمي برامج مايكروسوفت. ولكن الفكرة الأفضل هي تطوير إمكانيات مساعدتك الشخصية في أوفيس حيث ستتمكن بعد حصولها على صلاحيات الوصول إلى بيانات لينكد إن من اخبارك معلومات متكاملة عن الأشخاص الذين تخطط لعقد اجتماع معهم مستقبلًا، وعندما تتجه نحو اللقاء، ستقدم لك بسرعة مساعدة مايكروسوفت الرقمية “كورتانا” معلومات عن الأشخاص الذين ستجتمع معهم، كما أنها ستقوم بتجميع سيرهم الذاتية في ملف واحد لتتمكن من الاطلاع عليه.
لا شك في أن مايكروسوفت تقوم بمجازفة كبيرة جدًا في هذه الصفقة بحسب ما هو ظاهر حتى الآن، لكن رسالة الرئيس التنفيذي للشركة ساتيا نادالا التي وجهها مؤخرا لموظفي الشركة قالت بشكل واضح، أن دمج بيانات وخدمات لينكد إن مع نظامي أوفيس 365 الخدمة الأحدث لبرامج المكتب، ونظام Dynamicsالمخصص لإدارة علاقات العملاء والموارد البشرية للمؤسسات سيقدم تجارب جديدة للمستخدمين حيث سيزيد من تفاعلهم واشتراكاتهم، ويفتح المجال لبدء حملات الإعلانات المستهدفة.
هنا بيت القصيد، فهو امر ذكي جداً ومخيف في الوقت نفسه أن تكون أعمالك ومشاريعك واجتماعاتك مستهدفة إعلانياً في المستقبل، لكن المشروع الواعد إذ ما كتب له النجاح سينعكس على أرباح الشركة وسعر سهمها في البورصات مما يعني فرصة استثمارية للبعض. أما بخصوص المخاوف من التسلط على بيانات الأشخاص واستغلالها بطريقة غير مناسبة فأن مايكروسوفت تملك سياسة متقدمة للحفاظ على الخصوصية ولا ننسى أن عدد كبير من حواسب العالم تشغل أنظمة ويندوز وبرامج الأوفيس التي أطلقتها الشركة من دون أن نذكر إساءة استخدام من قبل الشركة.
الجدير بالذكر أن عملية التكامل هذه ستضع مايكروسوفت في مواجهة مع عملاق شبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وكذلك غوغل في إطار صناعة الإعلان، رغم أن النتيجة تبدوا محسومة مسبقًا.