شهدت فرنسا والعالم يوم الأحد الماضي حدثاً كبيراً بفوز المرشح إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا، بعد أن تفوق على منافسته المرشحة ماري لوبان بحصوله على 66% من الأصوات مقابل 34% لمنافسته، حيث بلغت نسبة المشاركة والتصويت في الانتخابات 35% ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات الفرنسية.
الرئيس الجديد أكد في خطاب الفوز انه يطمح لفتح صفحة جديدة مبنية على الثقة مع كل الفرنسيين، فيما عبر منافسته الخاسرة ماري لوبان ممثلة اليمين المتطرف أن حزب الجبهة الوطنية عليه إعادة حساباته ليكون عند توقعات الفرنسيين، خصوصاً أن اليمين المتطرف خسر الانتخابات الفرنسية أمام مرشح حزب جديد لا يتجاوز عمره أربعة أعوام وهو حزب “إلى الأمام EN Marche”.
الانتخابات الفرنسية كانت نقطة حاسمة في مصير فرنسا، الخارجة من أزمة نووية، وعلاقتها مع القارة الأوروبية والشرق الأوسط خصوصاً أن لوبان مرشحة اليمين المتطرف كانت قد أكدت سعيها لإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، كما أكدت أنها تهدف لتخفيض معدلات الهجرة بشكل كبير.
تصريحات لوبان كانت شديدة العدائية تجاه الشرق الأوسط ومواطنيه وفوزها كان سيسبب اضطراباً كبيراً في العلاقات بين فرنسا وشعوب وحكومات الشرق الأوسط، خصوصاً مع الأهمية الكبيرة التي تشكلها الانتخابات الفرنسية للشرق الأوسط.
لماذا يركز الشرق الأوسط على الانتخابات الفرنسية؟
عدا عن قضية اللاجئين والمهاجرين في فرنسا والذين يشكلون نسبة كبيرة من سكانها وتعود أصول معظمهم لدول الشرق الأوسط إذا لم يكونوا من حاملي جنسياته، فإن العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين دول الشرق الأوسط وفرنسا كانت ستكون في خطر في حال خسارة ماكرون.
الاستثمارات العربية في فرنسا تشغل حيزاً هاماً من الاقتصاد الفرنسي، وتتصدر الإمارات العربية المتحدة تلك الاستثمارات بنسبة 34% يليها لبنان وقطر بنسبة 18% لكل منها وذلك بحسب تقرير لوكالة Business France، الذي تحدث عن المساهمة العربية الكبيرة في الاقتصاد الفرنسي.
55% من هذه الاستثمارات كانت قد بدأت في عام 2016 وفوز اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية مع إجراءاته المتشددة التي كان يعد بها كان سيعرض معظم الاستثمارات العربية في فرنسا إلى الخطر وربما مغادرة البلاد، وهنا تكمن أهمية فوز ماكرون رجل الاقتصاد السابق الذي يعي أهمية تلك الاستثمارات.
استثمارات الشرق الأوسط في فرنسا تتنوع في قطاعات مختلفة منها البرمجة وخدمات الاتصالات والضيافة والنقل وغيرها، وخلقت هذه الاستثمارات أكثر من 30 ألف فرصة عمل، حيث يبلغ عدد شركات الشرق الأوسط في فرنسا 380 شركة توظف أكثر من 24 ألف عامل.
أما بالنسبة للجانب السياسي فإن فرنسا لطالما كان لها دور كبير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن يكون ماكرون داعماً لمواقف دول الخليج العربي في سوريا بخصوص انتقال السلطة والقضايا الإنسانية.
إيمانويل ماكرون أظهر تقلباً شبيهاً بتقلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما يتعلق الأمر بالقضية السورية، فبعد أن كان من دعاة الحل السياسي والتفاوض خرج بتصريحات أكثر شدة وعنفاً بعد هجوم خان شيخون الكيماوي، حيث تحدث عن احتمالية التدخل في سوريا بشكل مدروس.
خلال حملته الانتخابية صور ماكرون فرنسا كقوة أوروبية مستقلة، مشدداً على قضي استقلال القرار، وهو ما قد يجعل فرنسا لاعباً قوياً في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة بعيداً عن التفاهمات والنقاشات الأمريكية الروسية التي لم تتوصل إلى أي حل ناجع في الشرق الأوسط في الفترة الماضية.
العديد من الخبراء السياسيين يؤكدون أن إيمانويل ماكرون سيكون أكثر بروداً في التعامل مع دول الخليج العربي من الرئيس السابق فرانسوا هولاند، حيث سيحاول الحفاظ على مسافة متساوية معها ومع إيران، لكنه في نفس الوقت يدرك أهمية الاستثمارات الاقتصادية المشتركة بين فرنسا ودول الخليج وهو ما سيدفعه غالباً لخلق علاقة مصالح متبادلة.
رغم اختلاف الآراء على ماكرون في بعض التفاصيل إلا أنه يبدو في نظر دول الشرق الأوسط المرشح المتوازن والعقلاني مقارنة بماري لوبان مرشحة اليمين المتطرف، وهذه الأسباب تجعل المناخ متفائلاً في الشرق الأوسط من ناحية الانتخابات الفرنسية وتبعاتها.
ردود فعل إيجابية
فور إعلان فوز ماكرون بالانتخابات الفرنسية سارعت العديد من دول الشرق الأوسط لتهنئة الرئيس الجديد بفوزه، حيث أعلنت وكالة الأنباء القطرية “قنا” أن الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أرسل برقية تهنئة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
كذلك هنأ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفرنسي على فوزه بالانتخابات الفرنسية، واتخذ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح نفس الموقف وعبر عن مباركته للرئيس الفرنسي.
من جانبها مصر عبرت عن تهنئتها على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي، وتلقى إيمانويل ماكرون نفس الردود الإيجابية من دول المغرب وليبيا والجزائر التي تربطها بفرنسا علاقات طويلة بعد احتلال فرنسي طويل دام أكثر من مائة وثلاثين عاماً.
بدورهم وجد الفرنسيون من أصول عربية واللاجئون العرب في فرنسا فوز ماكرون فرصة للتعبير عن سعادتهم خصوصاً بعد القلق الذي ساور الجاليات العربية في فرنسا من فوز مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان.