نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خبراً مفاده أن شركة فيسبوك مالكة أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم تعمل على تطوير أداة لمراقبة الأخبار والمحتوى على موقعها ومنع ظهور بعض المحتويات على الموقع بهدف الدخول من جديد إلى السوق الصينية.
موقع فيسبوك كان قد تم حظره في عام 2009 من قبل الحكومة الصينية لصالح موقع RenRen الصيني الذي وافق على شروط الحكومة الصينية لمراقبة والتحكم بما يظهر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، في حين رفض فيسبوك تلك الشروط في وقتها
الأخبار المتداولة رجحت أن يزود فيسبوك جهة ثالثة بتلك الأداة لتتمكن من مراقبة والتحكم بالأخبار ومحتويات المواقع عوضاً عن مراقبة المحتوى بنفسه، ويرجح أن تكون هذه الجهة الثالثة شركة صينية متخصصة في التحكم التقني ولديها علاقات جيدة مع السلطات الصينية.
هذه الخطوة تأتي بعد أسبوع من حديث الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربرغ عن وضع الخطوط العريضة لخطة الشركة نحو محاربة الأخبار والقصص المزيفة والملفقة، وذلك عبر منشور على صفحته في موقع فيسبوك.
وكان الموقع الأزرق قد شهد أزمة ثقة وانتقادات كبيرة عقب اقدامه على حجب صورة رمزية لحرب فيتنام بحجة عدم مطابقتها لمعاير حماية المجتمع، قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهة سياسية مع حكومة النروج.
أداة الرقابة التي تعمل عليها شركة فيسبوك ستكون صالحة على مستوى دولي وليس فقط في الصين بحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي قالت إن الشركة تستعد للدخول نحو أسواق جديدة كبرى على رأسها الصين، ولكن العديد من الخبراء التقنيين شككوا بقدرة أداة فيسبوك على النجاح في الصين لعدة أسباب أهمها يتعلق بكون عملها الأساسي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ماذا ينتظر فيسبوك في الصين؟
إذاً فأولى العقبات التي ستواجه فيسبوك هي مشكلة التفاوت الكبير بين تقنيات الرقابة والعمل بين الصين والولايات المتحدة، فالصين تملك طريقة خاصة لإدارة الأعمال الخاصة بمواقع الإنترنت والوضع بعيد جداً عن أي شبه مع طرق العمل في أمريكا.
السلطات الصينية تعتمد بشكل أساسي طريقتين لمكافحة الأخبار المزيفة والقصص المختلقة، الطريقة الأولى تسمى طريقة الـ Keyword Monitoring أو الكلمات المفتاحية، وذلك عبر وضع مجموعة من الكلمات التي يمنع تداولها وأي استخدام لها يجعل الخبر أو القصة تحت بند المزيف، كما تشرف الشركة المسؤولة على تفقد مخدمات الإنترنت والمواقع للبحث عن أي محتوى ممنوع أو مزيف.
الطريقة الثانية تسمى طريقة المراقبة البشرية أو Human Monitoring حيث لا يتم الاعتماد على الكمبيوترات وتقنيات الفلترة فقط، بل تعيين الشركة أشخاصاً وظيفتهم الاطلاع على المحتوى المنشور على المواقع والشبكات واتخاذ القرارات بشأن حذف المحتوى أو الإبقاء عليه.
المشكلة هنا تكمن في أن الأسلوب الصيني لمراقبة الأخبار الكاذبة مرتبط ولا يختلف عن آلياتها للرقابة حول المحتويات الممنوعة لأسباب سياسية مثلاً رغم عدم كونها أخباراً أو قصصاً كاذبة، وبالتالي فإن الأمر مختلط في الصين ولا يمكن الفصل بين الرقابة وتدقيق الأخبار، مما يعني أن السلطات قد تطبيق رقابة شديدة بحجة تدقيق الأخبار الحقيقية من الكاذبة.
خطة فيسبوك لدخول السوق الصينية تتضمن تدقيق ومراقبة الأخبار عبر جهة ثالثة وطرق سريعة للإبلاغ حولها، وكذلك التواصل مع شركات متخصصة في التحقق من الأخبار والمحتوى، لكن يبقى التحدي الأكبر لها هو أن تتمكن من الانسجام مع أسلوب العمل المختلف جذرياً في الصين والتي تشهد تغيرات كبيرة داخليًا.
التحدي الثاني الذي سيقلق عمل فيسبوك ضمن الصين في حال حصوله هو وجود منافس قوي هو شركة Tencent لخدمات الإنترنت والتي تعمل منذ سنوات في الصين وتملك خبرة كبيرة في عمليات الرقابة وتدقيق الأخبار والمحتوى.
هذه السنة احتفلت شركة Tencent بعامها الثامن عشر وأعلنت أن تطبيقاتها للرسائل الفورية مثل QQ و Wechat الذي يحتوي على خاصية مشاركة الأخبار وصلا معاً إلى 1.73 مليار مستخدم وهو رقم قريب من عدد مستخدمي فيسبوك والذي وصل إلى 1.79 مليار مستخدم في سبتمبر الماضي.
كذلك أكد الرئيس التنفيذي لشركة Tencent ما هواتينغ أن قضايا المعيشة الاجتماعية والأمن الإلكتروني لم تعد خارج اختصاصات شركته، مؤكداً أنها ستستمر بالعمل وتطوير نفسها في تلك المجالات، ودعا مستخدمي الإنترنت في الصين إلى التحلي بالمزيد من “المسؤولية الاجتماعية” بحسب قوله.
وأضاف هواتينغ أن Tencent قد أسست العديد من المواقع والقنوات عبر شبكة الإنترنت بالإضافة لخطوط ساخنة للتعامل مع المعلومات المشوشة والأخبار المزيفة، إضافة لحساب على تطبيق Wechat يدعى Rumor Filter بالتعاون مع العديد من الشركات الصينية ومواقع التكنولوجيا للتعامل مع مثل تلك الأخبار وأكد أن شركته تعاملت مع أكثر من 17 مليون قضية في العام الفائت.
فيسبوك رغم كونها واحدة من أضخم شركات الإنترنت والتواصل الاجتماعي عليها أن تضع في حسبانها كشركة مستجدة في الصين في حال تمكنت من العمل أنها أمام منافس عملاق لا يستهان به ولديه خبرة طويلة في مجال الرقابة والتحكم بالأخبار الذي ترغب بدخول السوق الصينية عبره.
التجارب السابقة ليست مباشرة
فيسبوك ليست الشركة العالمية الأولى التي تحاول الانخراط ضمن السوق الصينية، فقد سبقتها العديد من التجارب التي حاولت الانسجام مع آليات الرقابة الشديدة في الصين على مواقع الإنترنت.
شركات ألفابيت وجوجل وياهو وأمازون رائد التجارة الإلكترونية جميعها حاولت العمل ضمن الصين وقامت بجهود مماثلة لتطوير تقنيات الرقابة والتحكم لكنها فشلت في العمل ضمن البلاد.
ياهو سبق لها أن أبرمت صفقة مع مجموعة علي بابا الصينية المالكة للموقع العملاق المتخصص في التجارة عبر الإنترنت، لكن الأمر نجح لسبب واحد وهو أن الحكومة الصينية كانت واضحة تماماً بخصوص أن ياهو لا يحق لها إجراء أي شكل من أشكال التواصل أو نشر المحتوى أو الإعلام ضمن الصين، وأن نشاطها سيقتصر على التجارة الإلكترونية، وهو ما حصل فعلاً.
أما فيسبوك الذي يقوم كل نشاطه على أساس نشر المعلومات والمحتوى والأخبار بمختلف مجالاتها فهو بعيد كثيراً عن مجال التجارة الإلكترونية، ومدخوله الأساسي سيكون عبر الإعلانات التي شهد الموقع تراجعاً فيها وهو ما دفعه للتوجه نحو السوق الصينية التي قد تؤمن له النمو في هذا القطاع لسنوات قادمة.
نجاح خطة فيسبوك للعمل ضمن السوق الصينية مرتبط بشكل أساسي بحصولها على تأييد وموافقة الحكومة الصينية، وكذلك جذب المعلنين الصينيين الذين سيكونون العماد الأساسي لأعمال الشركة في الصين، والأيام القادمة ستبين مدى نجاح فيسبوك في ذلك.