شهدت الجولة الأولى من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقدماً لصالح الاتحاد بعدما أجبر ممثلو بريطانيا في المفاوضات على الموافقة على مناقشة تفاصيل الخروج بما فيها رسوم الخروج التي ستدفعها بريطانيا قبل الحديث عن أي اتفاق تجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
هذا التطور في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي يعتبر ضربة قوية لطموحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريسا ماي التي كانت قد صرحت قبل أيام فقط عن رغبتها القوية بالتوصل إلى اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لكونه يشكل مصلحة للطرفين.
لكن آمال ماي اصطدمت برؤية مختلفة لدى الطرف الآخر في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه المفاوض الرئيسي من طرف الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه الذي أكد أن أي حديث عن اتفاقية تجارية لن يتم قبل خروج بريطانيا نهائياً قبل سنتين من الموعد النهائي لخروجها في 2019 سواء تم اتفاق بين الطرفين أم لا.
بارنييه خرج بتصريحات قوية بعد اليوم الأول من محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي التي جرت في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث قال للصحفيين أنه ليس مستعداً لتقديم أي تنازلات، فبريطانيا هي التي غادرت الاتحاد الأوروبي وليس العكس، بارنييه أضاف أن إجراءات الاتحاد الأوروبي ليست انتقاماً أو عقاباً، بل هي ببساطة نتائج طبيعية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
تيريسا ماي تواجه الآن ضغطاً داخلياً رهيباً بعد خسارة الانتخابات المبكرة التي فقد فيها حزبها المحافظ أغلبيته في البرلمان، ليضاف إلى ذلك الضغط الخارجي في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على أداء بريطانيا في محادثات بريكست في الأيام القادمة.
كيف يبدو وضع بريطانيا الحالي في بريكست؟
ديفيد دايفس رئيس فريق مفاوضي بريكست اصطحب فريقه إلى بروكسل لبدء الجولة الأولى في محادثات الاتحاد الأوروبي على أمل التوصل إلى اتفاق تجاري سهل بحسب ما كانت تأمله رئيسة الوزراء البريطانية تيريسا ماي، لكن تلك الآمال تبخرت أمام الصرامة التي اظهرها مفاوضو الاتحاد الأوروبي في ذلك الشأن.
دايفس بدوره بدد التوقعات التي تكهنت بمحاولة بريطانيا تخفيف تبعات بريكست عبر محاولة البقاء في السوق الأوروبية المشتركة والحفاظ على الجمارك الخالية من التعريفات بين دول القارة، حيث أكد دايفس أن الوفد البريطاني يطمح إلى إعادة تحكم بريطانيا في قوانينها وحدودها، بحسب تصريحات صحفية له.
دايفس كان سبق له وأن توقع الصعوبات التي ستواجهها بريطانيا في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو كان السبب الرئيسي الذي جعل بريطانيا تطالب بمحادثات موازية بين الاتفاق التجاري المحتمل مع الاتحاد الأوروبي، وتفاصيل الخروج بما فيها تكلفة الخروج التي قد تصل إلى 100 مليار يورو.
دايفس قال في تصريحات سابقة أنه يعلم بشكل جيد كيف سيستغل الأوروبيون عامل الوقت للضغط على بريطانيا، وهو ما لن يسمح به البريطانيون بتاتاً، وأكد أن بريطانيا لم تنسحب من المفاوضات بعد رفض الأوروبيين الحديث عن اتفاق تجاري.
رئيس الوفد البريطاني أضاف أنه عندما يجد الاتحاد الأوروبي أن المحادثات حققت تقدماً ستستمر المفاوضات بما فيها حول الاتفاق التجاري، وأكد أن المرحلة الأولى من محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي والتي ستركز على شروط بريكست ستنتهي بحلول شهر أكتوبر.
أحد القضايا الجوهرية التي تهم الطرفين الآن في محادثات بريكست هي قضية 4.5 مليون بريطاني وأوروبي يعيشون بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الطرفان سيحاولان التوصل إلى اتفاق ودي بأكبر قدر ممكن بحيث لا يعرض هؤلاء إلى مشاكل قد تجبرهم على خسارة وظائفهم أو تغيير أماكن إقامتهم.
الخروج السهل مستحيل
توقعات تيريسا ماي في التوصل إلى اتفاق تجاري سلس مع الاتحاد الأوروبي والتي تحطمت في أول اختبار حقيقي بعد الجولة الأولى من مفاوضات بريكست، ليست إلا تحققاً لتوقعات العديد من الخبراء الاقتصاديين البريطانيين وعلى رأسهم السير أندرو الذي كان المستشار السابق في السوق المشتركة.
السير كان سبق له وأن انتقد سياسات ماي في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأكد أن بريكست سيكون بمثابة “طلاق مر” بالنسبة لبريطانيا بحسب تعبيره، مضيفاً أن توقعات سابقة للخزينة البريطانية أكدت أن بريطانيا ستشهد هبوطاً بنسبة 7% في الناتج المحلي الإجمالي في حال تمت مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق تجاري جيد.
تأكيد بريطانيا خروجها من السوق المشتركة كان خطأ وضربة لمصالحها بحسب السير كان الذي أكد أنه كان يمكن التفاوض على البقاء في السوق ضمن شروط تضعها بريطانيا خصوصاً مع أهميتها الكبيرة بالنسبة للسوق الأوروبية المشتركة، لكن تيريسا ماي لا زالت تفاوض من موقع ضعف خصوصاً بعد الأزمة الداخلية التي واجهتها متمثلة بخسارة الأغلبية البرلمانية.
مع اختلاف التفاصيل والتوقعات بين الخبراء الاقتصاديين يبقى الإجماع بين معظمهم على أن سياسات ماي بخصوص بريكست سوف تعني في نهاية المطاف خروجاً صعباً من الاتحاد تنعكس آثاره على اقتصاد بريطانيا في السنوات القادمة.