أعلنت شركة EDF للطاقة في فرنسا أنها تبذل كل ما بوسعها لإعادة النشاط في العديد من مفاعلاتها النووية، لكنها تنتظر الضوء الأخضر من منظمي قضية الأمان النووي في البلاد، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لـ EDF جان بيرنارد ليفي.
وكانت منظمة ASN للرقابة في فرنسا قد طلبت من EDF تنفيذ إجراءات أمان إضافية في 12 مفاعل نووي، مما أخر مواعيد تشغيلها وأثار مخاوف من أزمة طاقة محتملة داخل فرنسا في الشتاء القادم.
الرئيس التنفيذي لـ EDF أكد خلال مؤتمر للطاقة في العاصمة الفرنسية باريس أن شركته متأكدة من قدرة المفاعلات على العمل لكن ASN لم توافق على تشغيلها، وقال: “ASN طلبت المزيد من المعلومات قبل اتخاذ أي قرار، ولذلك فإن بعض المفاعلات ستبدأ العمل بوقت متأخر عما خططنا له قبل أيام”.
الأيام الماضية شهدت كذلك تأخير EDF لمواعيد تشغيل خمسة من مفاعلاتها وهي BUGEY 4 وGRAVELINES 2 وTRICASTIN 1, 2, 3 حتى نهاية ديسمبر من العام الحالي بعد أن كان من المقرر أن تبدأ العمل في منتصف نوفمبر الحالي وبداية ديسمبر.
الشركة كذلك أجرت اقتطاعاً على إنتاجها من الطاقة وأرباحها قبل الضرائب، وأدت كل تلك الإجراءات إلى ارتفاع قياسي في الأسابيع الأخيرة لسهم الطاقة في السوق الأوروبية بعد تصاعد الحديث عن احتمال تأخر EDF أكثر وأكثر في تشغيل مفاعلاتها وإمكانية حصول أزمة طاقة خانقة في فرنسا.
ما هو تأثير مشاكل EDF بالنسبة لفرنسا؟
بداية يمكن القول أن شركة EDF تعتبر النخاع الشوكي لقطاع الطاقة في فرنسا، فالمفاعلات النووية الخاصة بها والتي يبلغ عددها 58 تزود فرنسا بما يصل إلى 75% من احتياجاتها للطاقة.
وتتوزع مفاعلات EDF في أكثر من 19 موقعاً في البلاد، وتتضمن 34 مفاعلاً بقدرة 900 مليون وات، و20 مفاعلاً بقدرة 1.300 مليون وات و4 مفاعلات بقدرة 1.450 مليون وات.
التوقفات المتتالية للمفاعلات والتي وصلت إلى 19 مفاعلاً بسبب مشاكل في الأمان العام بحسب ما صرح به الرئيس التنفيذي لـ ASN، أدى إلى انخفاض إنتاج الطاقة في فرنسا والذي وصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 1988 عند 26.6 تيرا وات في الساعة.
التوقعات بإيقاف المزيد من المفاعلات عن العمل قد تجعل الإنتاج يهبط أكثر من معدله الحالي المتدني أصلاً، ففي أكتوبر الماضي خفضت EDF أرقام الإنتاج المتوقعة لعام 2016 من 395 – 400 تيرا وات في الساعة إلى 380 – 390 تيرا وات في الساعة، كما خفضت توقعات 2017 إلى 390 – 400 تيرا وات في الساعة، رغم أن الأرقام في العقد الماضي لطالما تجاوزت 400 تيرا وات.
أزمة الطاقة الفرنسية رفعت أسعار الجملة لقطاع الطاقة في أوروبا حيث ارتفعت الأسعار في الربع الرابع من عام 2016 والربع الأول من عام 2017، كذلك سجلت العقود الأساسية للطاقة تداولاً فوق 1.70 يورو، 1.65 يورو و1.20 يورو على التوالي.
الدولة الفرنسية، التي تعتبر من نادي منتجي الوقود النووي، الآن مضطرة للتعامل مع أزمة الطاقة الحالية عبر الانتقال لموارد الفحم والنفط وكذلك الطاقة المستوردة، وبخلاف مقررات مؤتمر المناخ الواحد والعشرون والذي قرر تخفيف انبعاثات الكربون فإن فرنسا تستهلك الفحم بأعلى معدل لها منذ 32 عاماً.
المعدلات الحالية للانبعاثات الضارة للبيئة ستورط فرنسا في مشاكل جمة بيئياً وحتى سياسياً واقتصادياً، والمخرج الوحيد هو إعادة تشغيل المفاعلات كما كانت في وضعها السابق.
واقع متأزم وأفق غير واضح
مشاكل EDF مع الرقابة تتلخص في نقطتين: أولهما هي أن نسبة مادة الكربون في بعض الأجزاء والملحقات المعدنية داخل المفاعلات أعلى من اللازم مما يجعلها عرضة للتسريب أو الانهيار تحت درجات كبيرة من الضغط، وهو بالتأكيد أمر غير مقبول وخطير بالنسبة لفرنسا.
النقطة الثانية هي إثارة قضية الشكوك في وجود تقارير مزورة أو خاطئة وغير مكتملة قدمتها المنشآت التابعة لـ EDF حول التحكم بجودة العمل في تلك المفاعلات، وهو ما أثار ضجة كبيرة داخل فرنسا ودفع بالبرلمان الفرنسي لمناقشة القضية.
شركة AREVA المسؤولة عن تصنيع الكثير من أجزاء المفاعلات التي سببت الأزمة مع الرقابة قالت إنها تراجع اليوم أكثر من 9000 تقرير وسجل منذ العام الحالي وبالعودة إلى عام 1943، وأن تلك التقارير تتضمن 6000 تقرير يعود للعناصر التي قامت بتركيبها في المفاعلات.
أحد ممثلي ASN قال ضمن جلسة البرلمان الفرنسي التي عقدت بخصوص أزمة المفاعلات، أن الوكالة بحاجة إلى سنة أخرى أو سنتين لإنهاء التحقيق والتدقيق في الملفات الكثيرة التي حصلت عليها حول الأجزاء المسؤولة عنها شركة AREVA داخل المفاعلات النووية، وأنه ليس من الممكن في الوقت القريب إعادة تشغيل أي من المفاعلات التي تم إيقافها قبل التأكد من كونها آمنة 100% وهو ما يتطلب الانتظار حتى انتهاء التحقيق.
فرنسا في الأيام القادمة على موعد مع استحقاق كبير لإيجاد أفضل الطرق لتعويض طاقة المفاعلات بأقل الخسائر، ولا يبدو أن مخالفة مقررات مؤتمر المناخ هو أفضل الحلول بالنسبة للفرنسيين!