ليس خفياً أنّه خلال الأعوام الماضية أثّرت أزمة انخفاض أسعار النفط بشكل سلبي على عموم اقتصادات الشرق الأوسط، وامتدّ تأثير الظروف الأخرى التي تراوحت بين الاجتماعية والسياسية، لتحدّ من نمو هذه الاقتصادات من نواحٍ مختلفة. إلا أنّ ذلك كله ولحسن الحظ لم يكن كافياً للتأثير على مدينة دبي الصغيرة بمساحتها والمتوسّعة بتأثيرها يوماً بعد يوم.
فهذه المدينة الشرق أوسطية متواضعة المساحة، استطاعت على مدار هذه الأعوام أن تجتهد لتصبح واحدة من أسرع الأماكن الحضرية نموّاً في العالم، باقتصاد اعتمد على الثروة البشرية النوعية من خبراء ومحترفين، وسعي مستمر لتقديم واستثمار أفضل التكنولوجية الحديثة على جميع الأصعدة، فدبي التي تسعى لتكون أسعد مدن العالم، تسعى أيضاً بشكل موازٍ وجدّي لتكون مدينة التكنولوجية الحديثة الأهم أيضاً، وقد تمثّلت جديتها في هذا المجال، بحصولها على لقب المدينة الذكية الأولى في المنطقة، لتكثر الأحاديث بعدها عن إمكانية تحوّل هذه المدينة الطموحة إلى وادي السيليكون العالمي الجديد، مع تنامي عمل واستثمار شركات التكنولوجية الحديثة العالمية فيها خلال السنوات الماضية.
لماذا دبي مؤهّلة لتصبح مركزاً في مجال التكنولوجية ؟
رغم حرارة الجو المرتفعة في دبي، إلا أنّها استطاعت خلال السنوات الماضية إثبات استفادتها من موقعها الجغرافي الذي يتموضع في مركز دائرة يعيش في نصف قطرها ثلث سكان العالم، حيث أصبحت هذه المدينة الفريدة واحدة من الوجهات السياحية المفضّلة عالمياً، وبالطبع وجهة استثمارية لعدد كبير من الشركات العاملة في مجال التكنولوجية الحديثة، تماهياً مع شعار المدينة “عينٌ على المستقبل”، حيث استفادت هذه الشركات من موقع دبي، لتتخذها بوابة استثمارية تدخل من خلالها إلى الأسواق النامية في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وليس غريباً ما كشفه مسح قامت به شركة PayPal أخيراً، بأنّ سوق الاقتصاد الإلكتروني في الشرق الأوسط، والذي يحتوي على 200 مليون شخص، ينتمي معظمهم إلى الطبقة الوسطى، قد نمى بحدود 15 مليار دولار حتى بداية العام الماضي.
ليس ذلك كله فقط ما يغري شركات التكنولوجية الحديثة في دبي، فهذه المدينة تملك ميزة استثمارية تنافسية فريدة من نوعها، وهي الضرائب. فمقابل ضرائب على الدخل الفردي بنسبة 24.1% في بريطانيا، وبنسبة 24.6% في الولايات المتّحدة، نجد أنّه وبشكل أساسي دبي مدينة بلا ضرائب، حيث لا يضطّر المستثمرون أو الشركات أو السكّان المحليين أو الوافدين لدفع أيّة ضرائب دورية، رغم بلوغ متوسّط إجمالي الدخل السنوي المحلّي للفرد حوالي 45 ألف دولار، بفضل الأنشطة المتنوّعة للاقتصاد أيضاً.
استثمار شركات التكنولوجية الحديثة في دبي
عملاق التكنولوجية جوجل كان من أوائل المستثمرين الذين قرروا دخول سوق المنطقة عبر دبي، وذلك بالتعاون مع شركة أسترولابس لتفعيل ودعم المشاريع الناشئة في مجالات الإبداع التكنولوجية، كجزء من اهتمامها العالمي بتكوين شبكة من الشركاء في مجال ريادة الأعمال التكنولوجية والعلمية. أسترولابس تقوم بمشاركة التكنولوجية الحديثة وتُيسّر التبادل المعرفي بين رواد التكنولوجية الأهم حول العالم، وذلك لتحسين تجارب ريادة الأعمال العالمية، ويُعد التعاون بينها وبين جوجل في دبي، امتداداً لتعاونهما السابق في وادي السيليكون الأميركي.
ليست جوجل وحدها التي اختارت التوسّع إلى دبي، بل يقف إلى جانبها عدد كبير من الشركات العملاقة في مجال التكنولوجية الحديثة، والمشاريع الناشئة في هذا المجال أيضاً، حيث تسعى المدينة إلى الخروج من عباءة قص ولصق التكنولوجيا الحديثة فيها فقط، وعوضاً عنه ترك بصمتها في هذا المجال، ولذلك تم تسهيل استثمار الشركات الناشئة في التكنولوجية خلال السنوات الثلاث الماضية، لتغيير المشهد الإماراتي في مجالات عديدة، كالعمل الحكومي، عملية التوظيف، المواصلات العامة، تكنولوجيا الأغذية والرعاية الصحية وغيرها الكثير من المجالات الأخرى.
كل هذه الأسباب، دعت المستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال، إلى تحويل تركيزهم من الاستثمارات التقليدية كالعقارات والإنشاءات، إلى الاستثمار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجية، وقد تم إنشاء منصّات تمويل جماعي لتعريف المستثمرين بأصحاب المشاريع الناشئة في المدينة، كمنصة يوريكا للتمويل الجماعي، ومنصّة ماغنت.
ولا ننىسى الدور النسائي في تصاعد أهمية التكنولوجية الحديثة في دبي، فقد شاركت النساء في الإمارات بالكثير من المجالات العملية على حدّ سواء، وبطبيعة الحال كان لهنّ مشاركة متزايدة في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجية أخيراً، وقد كشف مؤسس شركة أسترولابس أنّ السيدات الإماراتيات يشكلن نسبة 25% من إجمال قاعدة أعضاء الشركة، وحوالي ثلث المشاركين في الدورات التدريبية التي تقوم بها الشركة في المنطقة.
بلا شكّ يؤكّد كل ذلك أنّ دبي التي انتقلت من مجرد أرض صغيرة صحراوية بتعداد سكّاني ضئيل، لتصبح واحدة من أذكى المدن المزدهرة اليوم، وتشير التوقعات إلى أنّها ستكون مركزاً هامّاً للتكنولوجية الحديثة خلال السنوات القادمة كما تثبت الأرقام والمعلومات القادمة منها وليس الأقوال وحدها.