شهد اليوم الأول من العام الجديد إطلاق الصين لخدمة قطارات البضائع السريعة التي ستنطلق من محطة ييو في مقاطعة زيجانغ في شرق الصين، وصولاً إلى محطة باركينغ في العاصمة البريطانية لندن.
المسار الذي ستقطعه قطارات البضائع يبلغ طوله 7456 ميلاً وستستغرق رحلة القطارات 18 يوماً تمر فيها بدول كازاختسان، روسيا، بيلاروسيا، بولندا، ألمانيا، بلجيكا، فرنسا ومن ثم تختتم رحلتها في بريطانيا.
هذه الخدمة الجديدة أطلق عليها الصينيون اسم طريق الحرير الجديد تيمناً بالطريق التجاري التاريخي الذي كان يعرف باسم طريق الحرير ويمر من الصين مروراً بالهند وإيران وبلاد الشام ثم يتجه من تركيا إلى أوروبا ومن مصر إلى أفريقيا، وكان واحداً من الأعمدة التجارية للإمبراطورية الصينية القديمة، وطريق الحرير الجديد هو جزء كبير من الطريق القديم باستثناء أنه لن يمر ببلاد الشام وتركيا ومصر كما كان في العصور الماضية.
خدمة السكك الحديدة التي ستعتمد عليها الصين في تقوية علاقتها التجارية بالقارتين الأوروبية والآسيوية تملك حتى الآن 39 خطاً حديدياً يصل 16 مدينة صينية بـ 12 مدينة أوروبية، وتعتبر بريطانيا البلد الثامن الذي ينضم إلى خدمة القطارات التجارية الصينية فيما تعتبر لندن المدينة الأوروبية الخامسة عشرة التي ستمر بها قطارات طريق الحرير الجديد.
العقبة التقنية الوحيدة التي قد تواجهها قطارات البضائع هي اختلاف مقاييس السكك الحديدة في بعض الدول الأوروبية، وهو ما يعني أن قطاراً واحداً لن يستطيع قطع الطريق كله نحو لندن، بل ستضطر صناديق البضائع لإعادة تحميلها في مناطق معينة، ثم الوصول إلى لندن ومنها يوجد خط حديدي واحد يصل غلى مختلف أرجاء قارة أوروبا.
طريق الحرير الجديد يمثل خياراً جديداً أمام العديد من الشركات والتجار فهو رغم كونه أبطأ من النقل الجوي إلا أنه أرخص تكلفة وأسرع من النقل البحري، نعم قد لا يكون مناسباً لجميع المستثمرين إلا أنه خيار مثالي لبعضهم، وطريقة مهمة لآخرين لإجبار شركات النقل الجوي والبحري على تخفيض أسعارها.
الخدمة التي بدأت منذ عام 2013 ضمن استراتيجية كبرى في الصين تحت اسم “حزام واحد، طريق واحد” كانت قد أنجزت حتى شهر يونيو 2016 أكثر من 1881 رحلة من الصين نحو أوروبا حاملة مختلف البضائع الصينية للبيع في السوق الأوروبية وأكثر من 500 رحلة عائدة نحو الصين حملت مختلف البضائع الأوروبية كاللحم الألماني والأخشاب الروسية وغيرها.
كيف تنظر بريطانيا إلى طريق الحرير الجديد؟
تاريخ الإعلان عن وصول خدمة طريق الحرير الجديد إلى بريطانيا كان مثالياً للحكومة البريطانية التي تقف هذا العام أمام خروج محتمل من الاتحاد الأوروبي وتواجه انقسامات شعبية.
الحكومة البريطانية التي تبحث عن فرص اقتصادية وتجارية خارج أوروبا تضع الصين كخيار أول للشراكة الاقتصادية بعيداً عن ضوابط الاتحاد الأوروبي، واقتصاد ضخم مثل الاقتصاد الصيني يعد خياراً مثالياً للبريطانيين في المرحلة الحالية.
لذلك تعتبر بريطانيا طريق الحرير الجديد ومبادرة الرئيس الصيني “حزام واحد، طريق واحد” فرصة استثنائية تريد التشبث بها والاستفادة منها بأفضل طريقة ممكنة، خصوصاً أن التعاون الاقتصادي الكبير مع الصين سيؤثر بشكل كبير على إنعاش الاقتصاد البريطاني.
الطريق الجديد سيمكن بريطانيا من إجراء علاقات اقتصادية وتعاون مباشر ليس فقط مع الاقتصاد الصيني، بل مع العديد من الدول في آسيا وأوروبا التي يمر بها طريق الحرير الجديد، وسيوفر فرص بديلة لبريطانيا في حال إتمام خروجها من الاتحاد الأوروبي هذا العام وهو ما قد يعرض علاقاتها الاقتصادية مع باقي دول الاتحاد لضرر كبير.
الصين استطاعت معرفة الحاجة الأكبر لدى دول آسيا التي يشملها طريق الحرير الجديد مثل كازاخستان حيث تحتاج تلك الدول إلى الحصول على بنية تحتية لطرق النقل السريعة لتسهيل النقل التجاري بين الصين وأوروبا، ومشاركة بريطانيا مع الصين في تلك الخطط سيوفر الكثير من الفرص الاستثمارية لها.
بريطانيا سبق وأن أبدت دعمها للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والعديد من المصارف البريطانية الكبيرة مثل Standard Chartered بدأت بالفعل بالعمل على المشاركة في تمويل المبادرة الصينية لتكون جزءاً هاماً منها.
المشاركة البريطانية بالتأكيد لن تقتصر فقط على القطاع المالي، ففي بداية العام الماضي وقعت العديد من المصارف البريطانية اتفاقاً مع بورصة لندن للمعادن لتزويد مشاريع خاصة بالبنية التحتية ضمن طريق الحرير الجديد، وهو ما يظهر مدى الفرص التي يقدمها الطريق الجديد لبريطانيا في مجالات المال والبنية التحتية وتصدير واستيراد السلع بمختلف أنواعها.
كذلك فإن العديد من الشركات البريطانية تملك أصلاً استثمارات في دول شرق ووسط آسيا، و بريطانيا عليها بحسب خبراء اقتصاديين أن تثق بالخطة الصينية طويلة الأمد، وأن تضع خططاً ملائمة لها بشكل طويل الأمد كذلك، لأن نجاح طريق الحرير الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر منذ بدايته سيكون فرصة اقتصادية استثنائية لكل الدول المشاركة فيه ومن ضمنها بريطانيا المنضم الجديد للمبادرة الاقتصادية العالمية التي تقودها الصين.
الصين والطريق الواحد
مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ والتي أطلق عليها اسم “حزام واحد، طريق واحد” بدأت في عام 2013 وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز علاقة الصين التجارية والاقتصادية بالدول المجاورة لها في قارتي أوروبا وآسيا.
الخطة الصينية بدأت بطريق من السكك الحديدية يصل الصين بالعاصمة الإيرانية طهران، ومن ثم كازاخستان، ثم تطورت الشبكة لتمر طرقها الرئيسية في ثمانية دول في آسيا وأوروبا وآخرها بريطانيا، فيما تمر طرقها الفرعية في أكثر من 65 بلداً يبلغ عدد سكانها 4.4 مليار نسمة وهو ما يساوي أكثر من 60% من سكان العالم.
الخبراء الاقتصاديون يتوقعون أن يصل حجم الاستثمارات في طريق الحرير الجديد إلى 1 ترليون دولار في العقد القادم، حيث حقق 653 مليار في عام 2015، وهذا الرقم الضخم يبدو معقولاً حين نجد أن استثمارات الصين ضمن المبادرة وصلت في باكستان وحدها إلى 46 مليار دولار فيما بلغت قيمة الصفقات التي وقعت في إفريقيا 5.5 مليار دولار.
الدور الاقتصادي الصيني الذي يزيد توسعه في السنوات القادمة ضمن آسيا سيلعب دوراً كبيراً في زيادة تأثيرها السياسي كذلك في تلك المنطقة، وسيقوي موقعها كواحدة من أضخم القوى الاقتصادية والسياسية في العالم.
كذلك فإن الخطة الصينية تقدم فرصة تاريخية لدول وسط آسيا مثل كازاخستان لتحقيق ثورة في اقتصادها وتطوير أدائها وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، خصوصاً أن هذه الدول لطالما عانت تاريخياً في العمل كوسيلة اتصال للاقتصاد العالمي في الأزمان القديمة عندما كان طريق الحرير يتخذ مساراً مختلفاً، أما اليوم فالمبادرة الصينية تقدم فرصة للعب هذا الدور.
الصادرات الصينية وصلت في عام 2015 إلى 2.27 ترليون دولار وهبطت في عام 2014 إلى 2.34 ترليون دولار، فيما انخفض نموها الاقتصادي من 7.3% في عام 2014 إلى 6.9% في عام 2015، وهو أبطأ نمو لاقتصاد البلاد في 25 عاماً، مما دفع الصين لاتخاذ مبادرة تاريخية تمثلت في مبادرة الطريق الواحد وطريق الحرير الجديد.