قد يبدو من الغريب جدًا أن يتم اصطحابك لزيارة المراحيض المنزلية والتأكد من نظافتها، خاصة أنك في جولة سياحية في شمال شرق الهند المليء بالمناظر الخلابة. في الوقت نفسه ستجد إصرار صاحب المنزل بكل فخر على التقاط صورة تذكارية تجمعكم مع مرحاضه الظاهر في خلفية الصورة، أمرًا في غاية الجنون والدهشة، يضيف غرابة كبيرة للموقف.
لكن سكان قرية باسيليكا (Basilakha) التي تقع في شمال شرق الهند، سيسعون لاستقبالك وتنفيذ ما سبق بكل فرحة وسعادة ورحابة صدر، فالقرية التي يبلغ عدد سكانها 120 عائلة فقط، تحتفي بإعلان حصول ولاية سيكيم (Sikkim) التي يتبعون لها على المركز الأول على مستوى البلاد في المسح الوطني السنوي للنظافة العامة(NSSO) ضمن ستة وعشرين ولاية.
وصدرت نتائج المسح الذي جرى على أكثر من 73 ألف اسرة موزعين على 3788 قرية في الهند، لتعلن نظافة الولاية في المركز الأول مسجلة نسبة 98.2 بالمائة لانتشار المراحيض وأنظمة الصرف الصحي، في حين حلت ولاية “جهارخاند” في المرتبة الأخيرة بنسبة 17.7 بالمائة فقط.
وذكرت وزارة الخدمات الاتحادية أن ولاية سيكيم (Sikkim) قد احتفظت بالمركز الأول أيضًا للعام الثاني على التوالي بالنظر إلى نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي، حيث بلغت النسبة 99.9 بالمائة، تلتها ولاية “هيماشالبراديش” بنسبة 97.11 بالمائة، وسجلت ولاية “كيرالا” المركز الثالث بواقع 96.35 بالمائة.
تعاني الهند من مشكلة متجذرة في سلوكيات السكان الذين يلجؤون إلى قضاء حاجاتهم في العراء، وبدون وجود أنظمة صرف صحي في البلاد التي تمتلك اقتصاد قوي، وتنتسب إلى قائمة الدول النووية منذ زمن بعيد.
تظهر هذه المشكلة في المساكن والتجمعات الشعبية حتى، مثل الأسواق التجارية والأبنية العامة وغيرها، إلا أن الحكومة المركزية في البلاد كانت قد أطلقت برنامج مهم بالتعاون مع الحكومات المحلية للأقاليم والولايات، يهدف إلى تغير تلك السلوكيات الشعبية الغريبة والتي تعكس صورة متخلفة وغير حضارية عن شبه القارة الهندية.
كيف تبدو الحياة في ولاية سيكيم (Sikkim)؟
يقول جانج سوبا من سكان قرية باسيليكا (Basilakha) أن زيارات لجان التفتيش الصحية استمرت لسنوات متتالية إلى عائلته قبل الإعلان عن هذا الإنجاز” لكن الفلاح الذي يهتم بجمع الخضروات والأزهار والأعشاب النادرة من سهول قريته، قبل بيعها في مدينة غانغتوك (Gangtok) التي تعتبر أكبر مدن الولاية ومركزًا لها، يوضح أن الموضوع لا يرتبط بقضية الصرف الصحي فقط، بل يتعداه إلى “برنامج بيئي متكامل”.
حيث نجحت الولاية في تحريم استخدام البلاستيك في عموم المناطق، كما حظرت التدخين في الأماكن العامة، ومنعت إلقاء الأوساخ والفضلات في غير الأماكن المخصصة لها، وكان بطبيعة الحال موضوع قضاء الحاجة في العراء من الأمور الأساسية، لقد فرضت الحكومة المحلية للولاية غرامات مالية على جميع أنواع المخالفات السابقة، كما دعمت برنامج صحي متدرج بدء منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.
لقد عملت الحكومة المحلية على تنشيط مجموعة من الحملات التغير الاجتماعية، دون أن تغفل تأمين البدائل فقامت ببناء الحمامات العامة ودعم شبكة الصرف الصحي، كما ركبت فلاتر لمياه الشرب بهدف تقليل الاعتماد على المياه المعلبة في الأواني والزجاجات البلاستيكية.
ويشرح ” شاكتي سينغ تشودري “عمدة مدينة غانغتوك (Gangtok) كيف تعمل سلطات المدينة على توجيه معلمات المدراس لتعليم الأطفال كيف تفرز وتصنف النفايات قبل التخلص منها، كما توزع المدينة لوحات ارشادية عن طريقة استعمال الحمامات العمومية والنظافة الشخصية.
وعلى الرغم من حظر استعمال البلاستيك فإن العدو الأكبر لهم الآن بحسب العمدة هي المواد المصنعة من PET أو ما يعرف علميًا (البولي إيثلين تيريفثاليت)، ذلك المركب الذي تصنع منه زجاجات المياه التي يرميها السياح ورائهم بعد زيارة المدينة.
ويكشف ” شاكتي سينغ تشودري ” أنهم سيفرضون حظرًا كامل على دخول المياه المعلبة إلى المدينة قريبًا” الأمر الذي سيعني اضطرار السياح لاستخدام فلاتر تحلية وتنقية المياه المتاحة في الفنادق والمطاعم العامة. ويختم العمدة كلامه بالدعوة إلى بناء تحالف سياسي يحظر استخدام المنتجات البلاستكية وخاصة في مياه الشرب على عموم البلاد.
خضراء نظيفة وسعيدة بلا فقر بعد أربع سنوات!
تقع ولاية سيكيم (Sikkim) في شمال شرق الهند، حيث كانت مملكة مستقلة فيما سبق قبل أن تضمها الهند إليها. يحدها كلا من بوتان والتبت ونيبال وتعتبر جزء من جبال الهيمالايا، الأمر الذي أعطاها طبيعة خضراء خلابة تتخللها مشاهد ساحرة فهي تضم أعلى جبل في الهند يسمى “كانغشينجونغا” الذي يصل إلى ارتفاع 8586 متر عن سطح البحر.
تمتلك الولاية مجموعة من الأنهار الجليدية والمروج الخضراء التي تنتشر بها الأزهار والأعشاب البرية، كما تنتشر بها مسارات جبيلة ضيقة تقود إلى تل المعابد الوثنية البوذية “Pemayangts” التي يعود تاريخها إلى ألف وسبعمائة سنة خلت.
تسعى الحكومة المحلية إلى بلوغ نسبة صفر بالمائة في موضوع انتشار الفقر بعد أربعة أعوام، يأتي ذلك بعد أن نجحت توصيات قدمتها لجنة مالية متخصصة في الوصول إلى نسبة ضئيلة حاليًا، حيث يعيش فقط 8 بالمائة من العائلات تحت خط الفقر في عموم الولاية، التي تأمل في المحافظة على هذا الزخم في الاقتصاد والنظافة معًا.
لقد ساعد انتشار قول مشهور بين سكان الولاية للراحل المهاتما غاندي حين ذكر” أن العيش بشكل كريم وبنظافة لا يحتاج إلى المال”، فيما يوافق نسبة كبيرة من السكان على هذه الكلمات بل يشعرون بالفخر عند الظهور بمظهر أنيق ونظيف.
حول هذه الروح الشعبية التي تنتشر في ولايته يعلق النائب في برلمانها فيقول” عندما تكون البيئة نظيفة والمعيشة حسنة سيتمتع الناس بالصحة الجيدة والسعادة” ويتابع أن ولاية سيكيم (Sikkim) هي واحدة من أسعد الولايات في الهند.
يذكر أن الاغنية التراثية الشعبية الرائجة بين سكان الولاية منذ زمن طويل تقول في كلماتها ” لا تقلق، كن سعيدًا” حيث تحولت إلى شعار يميز فلسفة الحياة للقاطنين في الولاية.