اقتربت الانتخابات الرئاسية في مصر في الوقت الذي تشير فيه توقعات المعنيين بالشأن المصري لنتيجة محسومة لصالح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي طالما لعب على وتر الأمن والاستقرار لإحكام السيطرة على البلاد وحشد المؤيدين لسياسته، حيث لم يفوت مناسبة يظهر فيها إلا وشدد على مواجهة “قوى الشر” وتحذريها من المساس بأمن مصر وشعبها.
وأبدى رغبته في استكمال مشواره الرئاسي ودعا الشعب وخاصة فئة الشباب إلى دعمه في قراراته، وساعده على ذلك الحملات التي أطلقتها أحزاب وجهات سياسية مثل حملة “علشان نبنيها” والتي حصدت نحو 12 مليون توقيع على استمارة تطالب السيسي بالترشح لفترة رئاسية جديدة، ما خفف عليه عبء جمع التوكيلات الشعبية والنيابية.
وقوله “أنا مش سياسي بتاع كلام” انعكس بالفعل على أرض الواقع من خلال إجراءات قمع الحريات وإغلاق المنافذ بوجه المعارضة، ما جعل البعض يحذر من فوضى أسوأ مما شهدته البلاد في 2011، وتفاقم المشاكل الديموغرافية والاقتصادية في المستقبل مع تزايد أعداد السكان.
وتَعتبر المؤسسة الأمنية في مصر أن ثورة 2011 درس يجب التعلم منه لإحكام السيطرة على البلاد، وعليه حصد السيسي في انتخابات 2014 على 97% من الأصوات وإلى الآن يحظى بشعبية فهو بنظر البعض من ساهم في الاستقرار ويعمل على الإصلاح الاقتصادي في مصر، لكن في المقابل هناك من يرى أنه يسعى بشكل واضح للاستئثار بالحكم وان قراراته الإصلاحية لم تنعكس على حياة المواطن اليومية.
كيف ينظر الشارع المصري للرئيس عبد الفتاح السيسي؟
ينظر مؤيدو عبد الفتاح السيسي أنه ساعد على تحسن الوضع الأمني منذ 2013، رغم استمرار الاشتباكات على جبهة سيناء، ومن وجهة نظر المحللين فذلك مرده إلى أن الجيش يعد أقوى مؤسّسة في مصر منذ ثورة 1952، والتجارب السياسية مع الإخوان عززت انعدام ثقة الشعب بالسياسة المدنية ما رجح كفة النظام العسكري.
فيما يعتبر معارضيه أن اسلوب القمع الذي اتبعه تجاه النشطاء السياسيين والإعلام المستقل هز شعبيته وأدخل البلاد في أزمة حقوقية وسياسية غير مسبوقة، كما لفت نظرهم وأثار استغرابهم أيضاً تخلي السيسي عن مقربين له مثل رئيس المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق محمود حجازي، مرجحين أن يكون ذلك في إطار حسابات سياسية تعزز موقفه أكثر في الانتخابات.
ومع انتخابات اليوم، تشهد شوارع القاهرة انتشار كبير لصور السيسي وشعاراته، لكن لا يوجد أي مظاهر لحملة انتخابية واضحة تشرح البرنامج أو السياسية الانتخابية للجنرال، فضلاً أن الساحة الانتخابية لا تضم إلا مرشح منافس وحيد موسى مصطفى موسى والذي ينظر إليه البعض على أنه “ديكور” كما حدث خلال انتخابات 2014 حين نزل حمدين صباحي كمنافس “شكلي” لعبد الفتاح السيسي.
ويأتي ذلك بعد اعتقال المرشحين الآخرين أو انسحابهم من السباق مثل المحامي والحقوقي خالد علي، ورئيس أركان حرب الجيش المصري السابق سامي عنان، والفريق أحمد شفيق، ورئيس حزب التنمية والإصلاح محمد أنور السادات.
الانتخابات الرئاسية في مصر تتحول إلى مشهد هزلي
ومن جهة أخرى تأخرت الهيئة الوطنية للانتخابات في إعلان الجدول الزمني ما ساعد على تحويل الانتخابات الرئاسية في مصر إلى مسرحية استفتاء وجعلها تصب بمصلحة مرشح واحد، فلا يقدر أي مرشح جمع 25 ألف توكيل من 15 محافظة خلال 20 يوماً، ومع ملاحقة المرشحين بتهم وقضايا لم يبقى في الساحة الانتخابية إلا السيسي.
وعليه ينظر البعض إلى الانتخابات الرئاسية في مصر على أنها تمثيلية أو مشهد هزلي، مع الأمل بأن يكون استمرار السيسي في السلطة عاملاً لإصلاح الوضع الاقتصادي في مصر، فالتقشف الذي تحدث عنه السيسي في قصة ثلاجته المشهورة، وخفض الدعم على الوقود والعديد من السلع وتعويم الجنيه أدى لنمو التضخم 30%، وزاد العبء على الأسر ذات الدخل المحدود، ما دفع الحكومة لتأجيل تطبيق حزمة جديدة من تقليص الدعم على الوقود بعد انتهاء الانتخابات.
كما تتزايد المخاوف من دخول البلاد في آله القمع مع إحكام السلطة قبضتها على المناحي السياسية والمدنية وتكثيف النظام هجماته على وسائل الإعلام وحظر المواقع الإلكترونية.
حرية الصحافة في مصر على المحك
تشهد حرية الصحافة في مصر تدهوراً كبيراً مع تزايد اعتقال صحافيين، وحجب مواقع إلكترونية، وفرض مضايقات على تحركات الإعلاميين في إطار ما يسمى مكافحة الأخبار الكاذبة أو المزيفة، وسيطرة وكالات الأمن على القنوات الفضائية، مثل شركة إيجل كابيتال التي فرضت نفوذها في قطاع الإعلام، وظهور أذرع إعلامية تحولت لأدوات استخباراتية في يد السلطة الحاكمة.
وبحسب منظمة مراسلون بلا حدود، احتلت مصر المركز 161 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال 2017، ومنذ مايو (أيار) الماضي تم حجب نحو 500 موقع على الإنترنت بمصر وفق ما أعلنته مؤسسة حرية الفكر والتعبير المصرية غير الحكومية.
وفي أوائل مارس (آذار) من العام الماضي، اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الإساءة للجيش خيانة عظمى وليس حرية رأي، وحذر وسائل الإعلام من التعرض لهذه المؤسسة العسكرية التي تشن عملية واسعة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق لا سيما في سيناء.
وشدد خلال حملته الانتخابية في 2014 على أن الحريات لا يجب أن تكون على حساب الأمن القومي، وأن التوصل إلى ديمقراطية حقيقة في مصر يحتاج 20 أو 25 عاماً.
وكشف تقرير هيومن رايتس ووتش، أن مصر تضم ما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي، وأن ما يفوق 15 ألف مدني تعرضوا لمحاكمات عسكرية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014.
يذكر أن خلق مناخ سياسي صحي وملائم في البلاد، يتطلب تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، وفتح المجال العام، وتوسيع هامش حرية الصحافة في مصر، وإنهاء حالة الطوارئ، وإنعاش الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة المواطنين.