نجحت شركة Boğaziçi Ventures التركية في تطوير نظام دفع الكتروني يسمى ميناباي، شبيه بنظام سلسلة الكتل بلوك تشين، الذي يتم اعتماده في تداول العملات الرقمية المشفرة، في خطوة تستهدف تغيير النموذج المالي التقليدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويأتي تطوير النظام الجديد بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتنمية الاقتصاد الاسلامي وتحديداً قطاع الصيرفة الإسلامية الخالي من الفائدة أو ما يعرف بالربا.
ومن المرجح أن تساهم تقنية بلوك تشين في إطلاق حلول مصرفية جديدة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، في ظل الاعتماد المتزايد للبنوك المحلية والإقليمية والعالمية على تطبيقات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة.
وفي خطوة لتعزيز التمويل الاسلامي، سبق لتركيا أن أطلقت “مقاصد” كأول مؤسسة مستقلة لإدارة المحافظ وفقاً لمبادئ التمويل الإسلامي، كما تحتل تركيا المرتبة الأولى في المنقطة من حيث حصتها من البنوك الإسلامية والبالغة 2.9%من البنوك الإسلامية حول العالم.
ويدخل نمو الاقتصاد الاسلامي في تركيا كجزء من نمو الاقتصاد الكلي للبلاد والتشجيع على الاستثمار عن طريق تطوير البنية التحتية وخدمات التكنولوجيا والاتصالات.
نظام دفع الكتروني متميز، فما هي خصائصه؟
يتمتع نظام الدفع الرقمي الجديد بخاصية أمان عالية، وشفافية أعلى من نظرائه، ويتيح للعملاء التعامل مباشرة مع بعضهم البعض دون الحاجة إلى وساطة البنوك.
وحظي ميناباي، بكونه نظام دفع الكتروني، بقبول البنك المركزي الإماراتي والبحريني، وجمع تطبيق الهاتف المحمول والبنية التحتية للدفع استثمارات تقارب 6.5 ملايين دولار (34.2 مليون ليرة تركية).
وبدأت الشركة تطوير نظام دفع الكتروني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وسيدخل التطبيق على الهاتف المحمول حيز الاستخدام في 15 يناير (كانون الثاني) الجاري، وبالإضافة إلى طرحه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتم استهداف الأسواق الآسيوية والعالمية خلال الفترة القادمة.
وأفاد مدير التسويق في ميناباي، إلكر جكريقجلي، بأنه يمكن تحويل الأموال عبر هذا النظام من خلال استخدام العملة الافتراضية ميناكاش، إذ من المرجح أن تقوم ميناكاش بدور العملة المشتركة، وبالتالي سيساعد هذا النظام الأشخاص على تحويل الأموال فيما بينهم خلال مدة لا تتعدى الثانيتين.
وبين أن التحويلات المالية في ميناباي سيتم مراقبتها من قِبل مزود خدمة ثالث عالمي، لافتاً إلى إمكانية شراء العملة الافتراضية من فروع الشركة المتاحة بالمنطقة، وذلك مقابل العملة الحقيقية.
وعليه، هناك فرصة يمكن توظيف تقنية بلوك تشين والعملات الافتراضية لابتكار نماذج حلول جديدة تعزز تطوير الاقتصاد الاسلامي، لكن مثل هذه التكنولوجيا تحتاج إلى حوكمة ووضع ضوابط وقوانين لتصبح أداه ذات كفاءة عالية وعامل محفز لتبني مبادئ الصيرفة الاسلامية.
مخاوف من الاستثمار في العملات الرقمية المشفرة
تبرز مخاوف واعتقادات بأن الاستثمار في العملات الافتراضية غير آمن، أو شديد الخطورة، إذ من الممكن سرقتها، واستخدامها بصورة غير القانونية في غسيل الأموال وبيع الأسلحة، فضلاً عن محاربة البنوك المركزية لهذا النوع من العملات، وتقلبات أسعارها.
وتأتي ردود المحللين الاقتصاديين ومنهم محمد النويلة، على هذه المخاوف بأن مع كل استثمار هناك مخاطرة، وأن العملات الرقمية لا تزال في أول عهدها وعلى المدى الطويل ستصبح آمنة، كما أنه لا توجد دلائل على انهيار أسعارها بالكامل.
ويؤكد النويلة أنه عليك كمستخدم مراعاة معايير الأمن والأمان في الأجهزة، واستخدامها بشكل صحيح منعاً للسرقة، ومن جهة أخري فإن صعوبة مراقبة هذا النوع من العملات وتتبع حركتها أدى لانتشار استخدامها في أمور مشبوهة مثل بيع الأسلحة وغسيل الأموال.
وفي الاتجاه نفسه، يرى الخبير الاقتصادي والباحث في السياسات العمومية نوفل الناصري، أن عدم قدرة الحكومات أو المؤسسات المالية والنقدية على التحكم بالعملات الرقمية يُسهل من استخدامها في عمليات التهرب الضريبي.
ويوضح الناصري، أن هذا النوع من العملات يعيق الدور الرئيسي للبنوك المركزية المتمثل في ضبط السيولة وأسعار الفائدة والتحكم بالمعروض النقدي، ما يدفع تلك البنوك إلى الحد من انتشار هذه العملات وتداولها بشكل متزايد.
وحذر من أن السياسة النقدية للدول ستصبح مرهونة بالتحولات المالية العالمية، ما يشكل خطر وتهديد واضح لسيادة هذه الدول واقتصادها الوطني.
ومن هنا تأتي الجهود لتوظيف تقنية بلوك تشين والعملات الرقمية المشفرة في النموذج المالي الاسلامي والاستفادة من مزايا التمويل والنظام المالي المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
الاقتصاد الاسلامي وسماته مقارنةً بالنموذج التقليدي
يقوم النموذج المالي الاسلامي على عدة مرتكزات أساسية نابعة من تعاليم الشريعة الإسلامية، مثل انعدام الفائدة والتضخم والضرائب، وفي الوقت ذاته يأخذ بعين الاعتبار قوانين السوق الحر كالرأسمالية ويضم بعضاً من سمات الاشتراكية.
ويتمثل جوهر التمويل الإسلامي بأنه قائم على اقتصاد الموارد وليس النقود، وأن الأصول هي مستودع القيمة، ويعمل الفرد على استغلال الموارد المتاحة عبر إضافة قيمة حقيقة وملموسة، ليقوم ببيعها لغيره باستخدام النقود كوسيلة للتبادل، وبذلك تعم الفائدة على الجميع.
إلى جانب هدف الربح والنمو الاقتصادي، تسعى الصيرفة الاسلامية إلى دعم المشروعات الاقتصادية المفيدة، وتشجيع الاستثمار وعدم الاكتناز عبر إيجاد فرص واستراتيجيات استثمار تناسب الأفراد أو الشركات وتحقق التكافل الاجتماعي عن طريق الزكاة، وعليه يتم تحريم الفائدة والاحتكار.
وكشفت الأزمة المالية العالمية عام 2008، هشاشة ونقاط ضعف النظام المالي التقليدي، من اضطراب في الأسواق وأزمة النفط التي أثرت على مستوى الرفاهية للأفراد حول العالم، وذلك نتيجة الاعتماد على أساليب التمويل الربوية، وتبني أدوات المضاربة التقليدية التي قد تصل إلى حد المقامرة، فضلاً عن كونها مبنية على سعر الفائدة الربوي.
ومن هنا ظهرت المصارف الإسلامية لتثبت من خلال القواعد والأحكام المتوافقة مع الشريعة الاسلامية أنها النموذج المالي والاقتصادي الذي يساعد على تجنب الأزمة والوقوع بمشاكل مالية كبيرة.
وتزايدت أهمية النظام المالي الإسلامي وبدأ بالانتشار والتوسع ليشمل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وأفريقيا، ليتم تبني هذا النموذج بنحو أكثر من 75 بلد، فيما تم الاعتماد على الاقتصاد الإسلامي بشكل كامل في السودان وإيران.
وبعد أن كان نظام الصيرفة الإسلامية معتمداً في مصرف دبي الإسلامي فقط خلال 1975، وصل عدد المؤسسات المالية الإسلامية إلى ما يفوق 300 مؤسسة تدير أصولاً بقيمة إجمالية قدرها 1500 مليار دولار، وبنسبة نمو تتخطى 15% سنوياً.
وبرزت أهمية الاقتصاد الاسلامي نتيجة تطور الصكوك الإسلامية ودورها في تمويل ودعم المشاريع التنموية الكبيرة والنهوض بالاقتصادات النامية عبر تمويل مشاريع البنية التحتية والصناعات الثقيلة والطاقة سواء النفطية أو البديلة، وبالتالي مساهمتها في سد عجز الموازنة لدى الحكومات حول العالم مستقبلاً.
ختاماً تقدر قيمة أنشطة التمويل الاسلامي حول العالم حالياً بما يتجاوز 2.1 تريليون دولار، ومن المرجح استمرار هذا النموذج المالي المتوافق مع الشريعة الإسلامية في النمو ليقود مسيرة نمو الاقتصاد المستدام على مستوى العالم ككل.
واظهرت الإحصائيات الواردة في تقرير تومسون رويترز، أن حجم الاقتصاد الاسلامي سيصل إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2023، وهذا النمو تدعمه عوامل ومحفزات عدة أهمها فرص الاستثمار المتاحة وتنويع الاقتصاد وخلق المناخ الملائم لتأسيس الشركات الكبرى.
كما أن نمو الاقتصاد الإسلامي مرهون بتطوير حلول وأدوات وأنظمة مالية مبتكرة توائم بين النموذج التقليدي والتقنيات الرقمية الحديثة ومعايير وأحكام الشريعة الإسلامية بهدف تحقيق قفزة نوعية بقطاع المال والأعمال.