أعلنت أوجيه ثاني أكبر شركة إنشاءات في السعودية مؤخراً عن إغلاق أعمالها في جميع مدن المملكة، وذلك بعد مسيرة 39 عاماً من العمل، وبعد إيرادات وصلت إلى أكثر من ثمانية مليارات دولار خلال عام 2010، فبعد أن كانت امبراطورية اقتصادية تعمل في مجالات عدة من المقاولات والعقارات والاتصالات وغيرها، وإحدى كبرى شركتي البناء السعوديتيتن والعملاق الذي أسس مشاريع ضخمة مثل فندق ريتزكارلتون بالرياض ذي 492 غرفة ، وحرم جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا مترامية الأطراف، فضلاً عن تمويلها لربع محطات توليد الطاقة التي تغذّي عملاق النفط “أرامكو السعودية”.
أصبحت الآن مكاناً شبه مهجور، ومكاتبها في الرياض لا تحوي سوى الغبار وأعقاب السجائر وزجاجات الماء الفارغة، وذلك بعد انهيار أصابها منذ أربعة أعوام دفعها إلى إنهاء أعمالها، حيث تعددت الأسباب الكامنة وراء هذا الإغلاق فمنها ماكان معلناً كتراجع أسعار النفط وتقليص المشاريع الحكومية، ومنها ما تناقله اقتصاديون أن الإدارة هي أحد أكبر المشكلات التي تسببت في انهيارها، كما بثّت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً لعمال وموظفين اتهموا إدارة الشركة بانشغالها بالسياسة عن تسييرأمور الشركة وإدارتها، مما تسبب بتعرضها لأزمةٍ في آب 2016 جعلتها تنهي أعمالها في المملكة.
ما الأسباب وراء إغلاق سعودي أوجيه في السعودية؟
أغلقت شركة سعودي أوجيه أبوابها في شهر يوليو تموز الفائت، وذلك بعد أن حظيت بدعم ملكي عام 1970 تحت قيادة مؤسسها رفيق الحريري، الذي أصبح معاوناً للملك فهد خلال فترة حكمه من 1982 وحتى 2005، وبدأت شركة أوجيه في الحصول على تعاقداتٍ لكل شيءٍ، بدءاً من المستشفيات وحتى الطرق السريعة، وبعد اغتيال الحريري تولَّى ابنه سعد قيادة الشركة، وجاء انهيارها سريعاً بانخفاض قيمة تعاقداتها من 8.9 مليار دولار عام 2014 إلى قرابة 850 مليون دولار هذا العام، طبقاً لما أوردته شركة ميد بروجكتس للأبحاث.
وفي عام 2015، أجَّلَت الحكومة دفعاتٍ لشركات البناء، مما دفع بشركتي أوجيه وبن لادن إلى إيقاف دفع أجور العاملين شهوراً، وحدثت الاحتجاجات الواسعة من قبلهم، وفيما أفرجت الحكومة العام الماضي عن بعض الدفعات، قدرت ميد بروجكتس أن قيمة عقود الإنشاء العامة للشركة قد تقلَّصت من 60 مليار دولار عام 2013 إلى 18.6 مليار دولار عام 2016، مما يؤذن بسقوط الشركة نهائياً.
ولم يُعلم إلى الآن المصير الذي ينتظر أصول وديون هذه الشركة، إذ ليس هناك علاقة ذات امتياز خاصة تربطها تجاه الحكومة، كما أن سوء الإدارة ورحيل أفضل التنفيذيين الذين تركوا خلفهم آلافاً من العمال الذين ينتظرون رواتبهم، والأرقام الضخمة من الديون تبلغ وفق أقل تقدير 3.5 مليار دولار بحسب تصريحات أشخاص مطلعين على الملف قد لاتكون لصالح الشركة ومستقبلها في المملكة.
مواجهة مع الإصلاحات الاقتصادية الجديدة في السعودية
تتجه السعودية ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان مناصب قيادية إلى ترتيب المُناخ الاقتصادي السعودي، الأمر الذي بدأ منذ عام تقريبًا ، حيث يتجه إلى التجديد وتحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد على واردات النفط، وخفض العجز الحكومي، وسط مكافحة الشركات لاستمرار وجودها وخاصةً بعد أن كانت مجموعة من الشركات الصغيرة تهيمن على بناء كل شيء في الدولة من المساجد والوزارات وإلى طرق المواصلات السريعة وغيرها.
وكان لهذا التغيير أثرٌ كبيرعلى الاقتصاد، حيث واجه تجار التجزئة فجوة الإنفاق الاستهلاكي بعد أن خفض الأمير محمد نفقات الخدمة المدنية، وعانت شركات توريد المعدات الطبية تراجعاً، بعد تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية.
كما بدأت شركات البتروكيماويات في دفع المزيد مقابل المواد الخام وذلك بعد قلَّصَت الحكومة الإعانات، وكان قطاع الإنشاءات من بين أكثر القطاعات تعرضاً للضرر، نظراً لاعتماده على العمالة الوافدة الرخيصة والتعاقدات الحكومية، ولم ينحصر الضرر في شركة أوجيه فحسب، بل عانت أيضاً مجموعة بن لادن السعودية المنافسة الرئيسة للشركة، ويبدو أن معاناة هذه الشركات ستزداد وخاصة بعد توجه خطط الأمير المستقبلية نحو الخصخصة وتعبيد الطريق للاستثمارات الأجنبية، ضمن ما مايعرف بـ رؤية 2030
يذكر أن المملكة تقف أمام أزمة لتأمين المساكن ذات سعرمعقول والتي سُلط الضوء عليها في معرض العقارات الخليجية الذي أقيم في دبي مؤخراً، حيث عرض فيه عشرات الآلاف من المشاريع الفخمة وسط غياب للمساكن الأكثر تكلفةً وهو ما تعاني منه البلدان الخليجية، خاصة مع ارتفاع أسعار المعيشة، وفي حال لم تعالج الحكومات المسألة فإن الفجوة في المساكن بأسعار معقولة يمكن أن تثير اضطرابات اجتماعية وتؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي.