قد لا يشكل الحديث عن وجود حياة ما بعد الموت أهمية تذكر بالنسبة لمجموعة من الناس، إلا ان جزء لا بأس فيه من المتداولين في العملات الرقمية المشفرة، سيشعرون بالحماس وقد يهيمون في آمال استعادة أموالهم التي تم تجميدها بسبب حادثة وفاة غير متوقعة لمؤسس منصة تداول للعملات الرقمية، بعد ان أدى ضياع كلمة السر مع المتوفي إلى نقل ما يعادل 137 مليون دولار أمريكي معه إلى القبر.
وعلى الرغم من ان الضجة العالمية التي ترافقت مع إعلان وفاة جيرالد كوتن مؤسس شركة “كوادريغا” قبل حوالي بضعة أشهر، لم تهدأ وتشعبت إلى احتمالات تنفيذ مخطط خداع وتضليل، مع تزييف لقصة الوفاة من أصلها، فإن الدراسة الحديثة التي اثبتت قدرة الانسان على الإحساس بما حوله مع بقاء الوعي نشطًا حتى بعد الوفاة، أعطت بارقة امل لكثير ممن حاول معرفة كلمة السر الوحيدة والتي جمدت ملايين الدولارات.
يبدو هذا نوع من أنواع الخيال العلمي، او حتى قصة غير قابلة للتصديق في عالم الــ ماورائيات، لكن فلنتخيل معًا شخصًا يستطيع التواصل مع البيئة المحيطة فيه، حتى بعد وفاته وإن كان لساعات بسيطة. القدرة على التواصل مع المتوفى حديثًا قد تعطي فرصًا لحل الغاز وتجنب أزمات مرهقة، وربما يستطيع المقتول قريبًا ان يخبرنا من قتله، وينقل اسرار لا تخطر ببال أحد، احتفظ بها لوقت طويل.
وكانت منصة كوادريجا الكندية المتخصصة في تداول العملات الرقمية المشفرة قد توقفت عن العمل في كانون الأول الماضي، بعد الوفاة المفاجئة لمؤسسها جيرالد كوتن، ما أوقف التداول على العملات الرقمية التي وصلت قيمتها في حسابات المستخدمين إلى ما يفوق 137 مليون دولار أمريكي.
كيف ساهم موت شاب في ضياع العملات الرقمية المشفرة؟
تمتلك منصة كوادريجا قاعدة عملاء تتجاوز بقليل 360 ألف مستخدم، وتسمح بتداول العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين واللايت كوين والايثيريوم. وعلى اعتبار ان الشركة تقوم بحماية الأموال لديها عن طريق تقنية التخزين البارد، التي تعني تخزين العملات عبر وضعها في جهاز كومبيوتر غير متصل الانترنيت ومحمي بكلمة مرور، فإن ضياع كلمة السر وإجراءات استرداد كلمة المرور مع وفاة جيرالد كوتن (30 عامًا) كان له إثر صادم على الأسواق.
في وقت لاحق تقدمت المنصة، بطلب حماية من الدائنين لدى المحكمة العليا في كندا. في الوقت الذي بلغت فيه قيمة الديون المستحقة السداد عليها 250 مليون دولار كندي بحسب تصريح ادلت به جنيفر روبرتسون أرملة كوتن نيابة عن الشركة. ثم اضافت روبرتسون إنها لم تكن لها صلة بأعمال زوجها حين كان على قيد الحياة، وإنها لم تكن على علم بكلمة السر أو أي من أساليب وطرق استعادت رموز الحماية.
الحادثة ولدت الكثير من الجدل حول الأساليب التي تنتهجها الشركات في حماية الأصول من عمليات السطو والاختراق الإلكتروني، كما تم رصد روايات تشكك بالحادثة وصحة خبر الوفاة، خاصة ان جيرالد كوتن كان في الهند يعمل كمتطوع في دار ايتام وان الوفاة جاءت من مضاعفات داء كرون الذي يعاني منه.
حصدت هذه القصة على الرغم من سوداويتها، اهتمام وسائل الإعلام العالمية التي نشرت تغطيات وقصص حولها، إلا ان كل هذا عاد ليدور حول اهتمام الناس بمعرفة ما الذي ينتظرهم بعد الموت، وماهي هذه التجربة التي تقدمها كثير من الثقافات حول العالم على اعتبارها، تثير الرعب وتوحي بالظلام والقبر الموحش.
دماغ البشر يعمل بعد الوفاة!
في تقرير نشره موقع متخصص روسي، ذكرت الكاتبة إينغا كاردوشينا ان باحثين أميركيين في مركز لانجون الطبي في جامعة نيويورك درسوا لعدة سنوات متتالية التغيرات التي تحدث على جسم الانسان ووعيه بعد الوفاة، وحاولوا تفسير الأسباب التي تدفع البشر للخوف من الموت.
قيادة الأبحاث السابقة كانت على يد البروفيسور سام بارنيا الذي ذكر وجود دراسات ومقابلات كثيرة مع اشخاص تغلبوا على الموت بعد وفاتهم سريريًا او دخولهم في غيبوبة، حيث اجمعوا على ان الموت لا يعني النهاية، وانهم لم يكونوا يشعرون بالخوف او العذاب او الوحشة في تجاربهم السابقة.
هدف الدراسات الامريكية كان كذلك في معرفة مدى صحة المعتقد الذي يقول ان هنالك حياة بعد الموت، حيث وجدت الدراسات على سبيل المثال ان الانسان الميت يسمع ويفهم ويدرك بوعي كل ما هو محيط به خلال الوفاة وبعدها. وعلى الرغم من ان الأبحاث حاولت معرفة مستوى وعي الانسان بعد الوفاة، إلا انها استهدفت بشكل رئيسي تفسير هل يجب الخوف من الموت؟
تقول كاردوشينا الكاتبة الروسية، ان توقف القلب عن الخفقان لا يعني انهيار كل أجهزة الجسم معًا، حيث يستمر دماغ الانسان في العمل لفترة تصل إلى عشر دقائق، فيما تكون الدقيقة الــ 15 هي الحاسمة، لان عدد الخلايا الميتة يصل معها الى مستوى يستحيل معه إعادة تنشيط العقل، هذه الأفكار تم دحضها من قبل بعض العلماء في المركز الأمريكي نفسه.
وتتابع الكاتبة، يعيش دماغ الانسان فترة أطول بكثير مما يعتقد الكثيرون، وان اللحظات الأخيرة من موت الدماغ يعطي الشخص شعورًا بأنه سجين داخل جسده، يسمع ويدرك ويفهم كل ما يحيط به، دون ان يمتلك القدرة على التفاعل او الاستجابة لمحيطه.
كيف يموت الدماغ
يكون موت الدماغ انفصالًا تدريجيًا، حيث يبدأ النشاط الدماغي في التقلص، وتتوقف الأقسام المختلفة في الدماغ عن العمل بشكل فردي ومتتال. وهذا هو السبب في بقاء دماغ الإنسان على قيد الحياة على مدى عدة ساعات تالية للوفاة. الفريق العلمي للجامعة أثبت ان الدماغ لا يموت فورًا، وهو ما يعزز القول بأن الوعي يستمر حتى بعد توقف القلب عن الخفقان.
وفي نفس الوقت، يؤكد العلماء أن الميت يسمع ويفهم كل ما يحيط به لكنه لا يستطيع الاستجابة ولا يمكنه اجراء أي ردة فعل أو إشارة، فهو ينتظر النهاية المحتومة دون ان يملك شيئًا في تغيرها.
في نفس السياق، خلصت دراسة أجراها علماء في الولايات المتحدة إلى مريض الغيبوبة يمكنه تميز أصوات أفراد عائلته وأحاديثهم، وان الحديث اليه يساعده في الاستيقاظ من الغيبوبة بشكل أسرع.
استعملت الدراسة التي جرت في جامعة نورث وسترن، تسجيلات صوتية تحوي أحاديث لأفراد عائلات ستة مرضى دخلوا في الغيبوبة، وتم تشغيل تلك التسجيلات عليهم بمعدل أربع مرات يوميًا على مدار ستة أسابيع، ما أدى لتعافيهم جميعًا بشكل أسرع.
الذكريات آخر ما يموت
وجد الباحثون أن استرجاع الذكريات العائلية المشتركة التي عاشها المريض مع افراد اسرته عبر التسجيلات الصوتية، والاستماع إلى تفاصيل محددة او مغامرات وأحاديث سرية ساعدت على إيقاظ العقل الباطن وتسريع عملية التعافي.
كما رصدت الأجهزة الإلكترونية المسؤولة عن قياس النشاط الدماغي زيادة في نشاط المناطق المسؤولة عن التعامل مع اللغة والذكريات البعيدة، خلال الاستماع للتسجيلات وبشكل خاص عندما ينادي أحد افراد العائلة على المريض باسمه بصوت عالي، او يخاطبه بقصة او حادثة مميزة يعرفانها.
وهو ما دفع الكاتبة إينغا كاردوشينا لربط هذه الدراسات بأخرى رصدت حالات مر فيها المرضى الذين عاشوا تجربة الموت السريري، باستعراض كامل لأحداث حياتهم كأنها شريط فيديو.
الجدير بالذكر ان الدماغ البشري يعتبر من أصعب الألغاز التي لم يتم حلها حتى اليوم، حيث ساعد دخول المرضى في غيبوبة على اكتشاف بعضها، خاصة ان حالة الغيبوبة تعتبر تجربة عميقة من فقدان الوعي، يكون فيها الشخص غير قادر على الحركة أو الاستجابة للمؤثرات.