تحولت شركة أرامكو السعودية إلى أكبر الشركات ربحية في العالم، بعد إعلانها يوم الإثنين ولأول مرة منذ عقود، عن صافي الأرباح المحققة في عام 2018، والتي بلغت 111.1 مليار دولار أمريكي مع وسطي انتاج يومي للنفط يزيد عن 13 مليون برميل بقليل خلال ذاك العام.
وقالت الشركة التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرًا لها، ” أنها سجلت أرباح قياسية خلال العام الماضي، حيث تم تسديد ما يقارب 160 مليار دولار أمريكي كأرباح أسهم وضرائب ورسوم”. وبقي صافي الأرباح بالنسبة للشركة مبلغ مالي ضخم تجاوز المئة مليار دولار أمريكي.
ولطالما كانت أرباح العملاق النفطي العالمي غامضة وغير معلن عنها، حيث حافظت الحكومات السعودية المتعاقبة على غلاف من السرية أحاط إيرادات الشركة على مدى عقود سابقة، إلا أنها بدأت مع صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة، بالتعامل بشفافية أكبر مع محاولات جادة لإدراج الشركة في بورصات عالمية والتخطيط للاكتتاب على أسهمها.
وتمتلك الشركة مجموعة من الحقول النقطية والغازية التي تعتبر بحسب وصف الخبراء من أضخم الحقول التي عرفتها البشرية مع احتياطيات قابلة للإنتاج بمليارات البراميل من الذهب الأسود.
ففي الجزء الشرقي من البلاد، تحتفظ شركة أرامكو السعودية بواحد من أضخم الحقول النفطية والذي يمتلك لوحده احتياطيات تبلغ 48 مليار برميل، ما يعني ان هذا الحقل يستطيع منفردًا انتاج أربعة ملايين برميل يوميًا، وهو ما يعادل انتاج كثير من البلدان.
لكن الثروة النفطية لا تقف عند هذا الحد، بل تمتلك المملكة العربية السعودية أربع حقول أخرى، منها حقل شيبة والغوار مثلًا، والتي تجعل هذه الأرقام تبدو كالقزم أمام القدرات المحتملة لباقي الحقول.
هل أرباح أرامكو السعودية ترتفع حقاً؟
كشفت البيانات الاقتصادية، أن شركة أرامكو السعودية قد أنتجت يوميًا خلال عام 2018، 13.6 مليون برميل نفط وهو رقم يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف ما تنتجه منافستها إكسون موبيل، والبالغ 3.8 مليون برميل نفط. وحققت أرامكو إيرادات ضخمة من هذه الأرقام قدرت بحوالي 360 مليار دولار أمريكي خلال العام الفائت لوحده.
الميزات التي تشتهر بها المملكة لا تنحصر بكميات الإنتاج الضخمة، أو ما يعرف بــ وفورات حجم الإنتاج، بل يتجاوزها للتكاليف المنخفضة، ما يعطي شركة أرامكو ميزات تنافسية لا تستطيع باقي الشركات العالمية الاستفادة منها، حيث تشير ارقام الأرباح السنوية لحجم الفارق الكبير بين الشركات المتنافسة.
ففي العام الماضي، سجلت شركة رويال داتش شل صافي أرباح بلغ 23.9 مليار دولار أمريكي، وحلت إكسون موبيل في المرتبة التالية بعدها عندما حققت 20.8 مليار دولار أميركي، بينما تصدرت شركة مثل أبل شركات التقنية مع تسجيل صافي دخل تجاوز 59 مليار دولار بقليل، ما يجعل الشركة السعودية أرامكو للنفط تتفوق عليهم مجتمعين.
وعليه يقول المحللون الماليون في وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، أن “جحم الإنتاج في شركة أرامكو السعودية إلى جانب الموارد الهيدروكربونية الضخمة تعتبر ميزة تنافسية قوية للغاية لا يمكن هزيمتها”.
خطط محمد بن سلمان لشركة أرامكو
أصبحت شركة أرامكو السعودية تتبع نهجًا أكثر جرأة فيما يتعلق بنشاطاتها، وبدأ كل شيء مع وصول الأمير محمد بن سلمان الى منصب ولي العهد في المملكة خلفًا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، خاصة أن الأمير الشاب يمتلك رؤية 2030 التي يحاول من خلالها اصلاح الاقتصاد السعودي وتخفيف اعتماده على مصدر واحد فقط من الدخل وهو النفط.
خلال الأشهر الماضية، كانت الشركة الأغنى في العالم قاب قوسين أو أدنى من طرح أسهمها للاكتتاب العام، كما ضجت عواصم المال والأعمال بأخبار الشركة، قبل ان تتراجع الخطط وتتوقف عملية الاكتتاب دون إعطاء تاريخ محدد لعودة المشروع.
في نفس الوقت ظهرت استراتيجية جديدة تحاول من خلالها الشركة تغير طريقة تنفيذ الاعمال، فهي اليوم تسعى لشراء حصص مسيطرة على شركات البتروكيماويات المحلية، ومنها شركة سابك. لذا تستعد الشركة اليوم لجمع مبلغ يصل لــ 15 مليار دولار أمريكي من خلال بيع السندات، حيث من المفترض ان تساهم هذه الأموال في تنفيذ عمليات الشراء والاستحواذ لشركات البتروكيماويات المحلية في المملكة والتي تصل قيمتها لنحو 69 مليار دولار أمريكي.
المملكة العربية السعودية تسعى لخفض اعتمادها على إيرادات النفط والغاز، وعليه يتجه صندوق الثروة السيادية التابع للمملكة إلى الاستثمار في شركات تكنولوجية مثل أوبر وتسلا للسيارات الكهربائية. وبدوره قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، أمين ناصر، إن شركته تسعى للقيام بعمليات استحواذ دولية في مجالات مثل الغاز الطبيعي المسال، وهو وقود مبرد يمكن نقله عالميًا على متن سفن مثل النفط.
سلبيات تهدد شركة أرامكو
بالنسبة للمستثمرين، تعد علاقات أرامكو بالحكومة السعودية مصدر قلق دائم. فبخلاف كلًا من إكسون موبيل وشيفرون وشل، تعتمد إيرادات الشركة السعودية على دولة واحدة فقط هي المملكة العربية السعودية، وهذا قد يشكل حالة من عدم الاستقرار، إذا ما واجهت المملكة العربية السعودية حالة من عدم الاستقرار السياسي، او أوقات صعبة ومخاطر امنية.
هذا بالضبط ما دفع وكالات التصنيف الائتماني لإعطاء الشركة تصنيف A1 وهو تصنيف قوي، إلا أنه يبقى دون تصنيف شركات النفط العالمية الأخرى، والسبب هو تركيز معظم عمليات الشركة في المملكة العربية السعودية، واعتماد حكومة المملكة على عائدات النفط والغاز.
وعلى الرغم من تحقيق مستوى أرباح عالي، لكن الشركة سريعة التأثر بالأحداث السياسية، ومنها على سبيل المثال القضية الأحدث التي شغلت الرأي العام العالمي، عندما تم قتل الصحفي المعروف جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، واصابع الاتهام التي وجهت مباشرة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، ما أضر بالسمعة بشكل كبير.
أرامكو السعودية، تدار بشكل متحفظ جدا وتتمتع بمستويات ديون منخفضة للغاية، لكن اللاعب الأهم في تشكيل أرباحها هو أسعار النفط، التي قد تهبط في فترات الكساد العالمي لتصبح عامل ضغط على الشركة بعد أن كانت عنصر قوة. ومن المخاطر ايضُا التي رصدتها الشركة في مذكرة داخلية، تدخل الحكومة في تحديد مستويات الإنتاج بناءً على أمن الطاقة السعودي وقرارات سيادية لا علاقة لها بالسوق العالمية، ما قد يشكل ضغطًا على الشركة.
الجدير بالذكر شركة أرامكو قد أسستها شركات النفط الأمريكية (أرامكو وتعني شركة النفط العربية الأمريكية)، ثم تم تأميمها من قبل الحكومة السعودية في السبعينيات.