استعرت الحرب التجارية الأمريكية على الصين مؤخرًا، بعد فرض الأخيرة يوم الخميس الماضي لرسوم جمركية جديدة على الواردات الأمريكية من سلع إلى البلاد. الخطوة الصينية كانت رد على سلسلة من الرسوم فرضتها واشنطن على العملاق الآسيوي شملت ما مجموعه 250 مليار دولار أمريكي من السلع الصينية.
وكانت وزارة التجارة الصينية قد أعلنت انها أضافة رسوم جمركية مشددة على منتجات أمريكية مستوردة للصين، بلغت قيمتها 16 مليار دولار أمريكي في رد وصف “بالضروري” وبتصعيد مباشر للخلاف بين البلدين، الأمر الذي انعكس بصوة سلبية على الحرب التجارية المشتعلة اصلًا.
وأوردت وكالة الصين الجديدة الرسمية للأنباء، في بيان وزارة التجارة الصينية أن الأخيرة تعارض بشدة الخطوات الأمريكية، حيث شبهتها بالعقوبات الجمركية الظالمة، وقالت إنها بصدد تقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية.
وطبقت الصين رسوم جمركية بواقع 25 بالمائة بعد لحظات من فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسومًا مشابهة، فيما قالت وكالة “فرانس برس” الإخبارية أن واشنطن تتهم بكين بانتهاج سياسات وممارسات غير نزيهة فيما يتعلق بالتجارة، الأمر الذي نفته الأخيرة جملة وتفصيلًا.
وجاءت الحزمة الجديدة من الرسوم الأمريكية بعد فترة من فرض رسوم طالت 200 مليار دولار أمريكي من المنتجات الصينية، ليرتفع الإجمالي إلى نحو 250 مليار دولار أمريكي من السلع الصينية.
وعلى الرغم من الصراع التجاري بين البلدين، ورغبة الولايات المتحدة في تقليل عجز الميزان التجاري إلا ان المتضرر الأكبر سيكون المستهلك الأمريكي العادي من جهة، والمصدر الصيني من جهة ثانية، فيما تستفيد مجموعة من دول الجوار الصيني بشكل كبير.
فيتنام وكمبوديا “رب ضارة نافعة”!
تستورد الولايات المتحدة الأمريكية بضائع وسلع من الصين بقيمة 505 مليار دولار أمريكي بحسب الاحصائيات الرسمية لعام 2017، ويتوزع من هذا المبلغ ما قيمته 146 مليارًا على الأدوات المنزلية والكهربائية، مثل التلفزيونات، والتلفونات، والأجهزة اللوحية. كما تشكل الألبسة والأحذية نسبة هامة من باقي السلع، وتوفر للمستهلك الأمريكي فرصة الشراء بأسعار منخفضة.
في الطرف المقابل تستورد الصين منتجات أمريكية تبلغ قيمتها 130 مليار دولار أمريكي فقط. هذا الفارق الكبير يشكل أربعة اضعاف تقريبا وهي نسبة كبيرة وخطيرة تكشف “استغلال الصين” بحسب وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
حجم السوق الكبيرة واغراء البيع بكميات كبيرة شكل حافزًا أمام المستثمرين، حيث بدء جزء كبير منهم بالانتقال إلى دول الجوار الصيني في محاولة للتغلب على العقبات الجديدة وتجاوزها. ويأتي في مقدمة هذه الدول كلًا من كمبوديا وفيتنام حيث تتمتع كلاهما بحدود مشتركة مع الصين فضلًا عن غياب رسوم التصدير المفروضة.
هذا يعني ان التعريفات الجمركية الأمريكية ستكون سلاح إيجابي في تحقيق نتائج واعدة لدول جنوب شرق آسيا، فيما تصبح عبارة ” صنع في الصين” علامة حصرية للمنتجات الغالية الثمن والفاخرة، على عكس ما كانت عليه على الأقل في الولايات المتحدة الامريكية.
تمتلك كمبوديا أسعارًا تنافسية، وتجذب اليوم مزيدًا من رؤوس الأموال والشركات الأجنبية. ومع ذلك هي تفتقر “للكأس المقدس” مما يمنعها من التوسع. فالبلاد لا تتمتع بالاستقرار السياسي، ويعتقد أغلب المتابعون للشأن العام هناك، أن الانتخابات العامة التي جرت في وقت سابق لم تكن إلا عملية تجميلية تخفي أزمة أعمق في البلاد.
وعلى سبيل المثال، تسعى العلامة التجارية “ستيف مادن” المتخصصة بالأحذية والإكسسوارات لإنتاج أكثر من 60 في المائة من منتجاتها في كمبوديا بحلول العام المقبل. فالمنتجات الكمبودية معفاة من الضرائب الأمريكية، الأمر الذي حول المكان إلى وجهة تصنيعية أساسية تسمح بمضاعفة الأرباح بشكل كبير.
منذ عام 2016 ارتفعت صادرات الأحذية الكمبودية بنسبة 25 بالمائة، فيما ازدادت الشحنات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 11 بالمائة عام 2017. فيما كان 72 % من صادرات الملابس والاحذية الكمبودية نحو الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
هل فيتنام هي الخيار الأفضل لمواجهة الحرب التجارية؟
ومع كل ذلك، يخشى خبراء الاقتصاد من “أزمة ديمقراطية” عميقة تطيح بالوضع الراهن في كمبوديا، وتظهر سريعًا إلى الواجهة فيتنام البلد الآسيوي صاحب التاريخ القديم في الحروب حيث كان مسرحًا لصراع أمريكي –صيني-سوفيتي فيما مضى، راح ضحيته آلاف من الأبرياء، فالبلاد اليوم تقدم ملايين العاملين في صناعة الملابس بأجور أرخص.
هذه القوى العاملة قد تقلب الطاولة، لكنها ليست كل شيء خاصة إذا ما نظرنا إلى الموقع الجغرافي والحدود المتداخلة مع الصين، أضف إلى ذلك أن العديد من العلامات التجارية للأزياء الراقية قد قررت بالفعل ترك كمبوديا والانتقال إلى فيتنام التي تتمتع باستقرار سياسي كبير.
وفقأ لصحيفة ” صباح الصين” الجنوبية فإن مناطق قوانغشي في فيتنام ستكون مسرحًا لازدهار اقتصادي، يتلقى المزيد من الاستثمارات فمثلا بمقارنة الأجور نجد أن العامل الصيني يتلقى 750 دولار أمريكي شهريًا، في حين لا يكلف العامل في شمال فيتنام سوى 15 دولارًا شهريًا! هذا الراتب الضئيل يصنف اقل بمرتين إلى ثلاثة تحت خط الفقر وفق منظمة الصحة العالمية.
أما نسب النمو في البلاد فتشكل سبعة بالمائة سنويًا، وتتطور البنية التحتية في البلاد بسرعة جيدة الامر الذي حولها إلى واحدة من أهم البلدان النامية. ففي استبيان جرى لرابطة أصحاب مصانع الألبسة في أمريكا، صوت ما يزيد عن 70 بالمائة منهم بالإيجاب حول رغبتهم بنقل المعامل التي يمتلكوها في الصين على بلدان آسيوية أخرى حيث كانت فيتنام من الدول المفضلة.
يذكر أن الأسواق المالية العالمية، قد شهدت مؤخرا تقلبات في سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الدولار الأمريكي، فيما تراجعت أسعار الذهب على نحو غريب خلافًا لفترة الأزمات التي يمر بها العالم، حيث قال المعنيون بالشأن الاقتصادي ان قوة الدولار الأمريكي هي السبب الحقيقي لتراجع الذهب.